افترش أمادو رمال الشاطئ في يوم معتدل الحرارة، وقد وضع أمامه بضع سمكات لعله يجد مشتريا قد يأتي وقد لا يأتي. كان أمادو الذي يبدو بسحنته السوداء ووجهه المليء بالتجاعيد، محاطا بالعديد من الأطفال الذين ينتظرون وصول قوارب الصيادين إلى شاطيء ميناء الصيد في نواكشوط لعلهم يظفرون ببضع حبات سمك يسرقونها من خلف الصيادين. المكان يعج أيضا بنساء تختلف الوان بشراتهن وملابسهن.
صياد موريتاني افترش الشاطئ ليبيع اسماكه على بعد نحو ستة كيلومترات تقريبا يجتمع قرب مسجد السعوديين بوسط العاصمة نواكشوط حشد كبير من الرجال في سوق لبيع الهواتف المحمولة المستعملة، بعضهم يرتدي الدرّاعة الموريتانية المشهورة، وآخرون يلبسون ملابس فضفاضة أقرب إلى الزي التقليدي السائد في السنغال أو مالي.
حين تحاول الإصغاء إلى من في الشاطئ أو داخل سوق الهواتف المستعملة تجد انهم يلهجون بألسن مختلفة، بعضها حسّاني، وهي لغة البيضان أو عرب موريتانيا، والبعض الآخر فرنسية بلهجة إفريقية واضحة، وقد تسمع لغة الوولوف أو لهجات إفريقية مختلفة.
قد يكون ميناء السمك أو سوق الهواتف المحمولة نموذجين مصغرين يعكسان الكشكول العرقي واللغوي والثقافي لمن يعيشون في ما كان يسمى في سالف الأيام بأرض شنقيط أو البلاد السائبة أو موريتانيا كما تدعى حاليا.
لا توجد إحصاءات دقيقة حول نسب كل الأعراق التي يتشكل منها المجتمع الموريتاني، وذلك بالنظر إلى حركية السكان وترحالهم من جهة، وأيضا انفتاح حدود البلاد وصعوبة التحكم فيها ، مما يسمح بدخول آلاف مؤلفة من الأفارقة إليها، وخاصة من الجنوب والجنوب الشرقي، دون ان يلاقوا صعوبات جمة في ذلك.
الموريتانيون يمثلون اعراقا مختلفة
يقول الباحث السوسيولوجي الموريتاني محمد ولد احميادة إن التركيبة العرقية لمجتمعات موريتانيا تتألف أساسا من البيضان، وهم خليط من قبائل يعود أصلها إلى عرب قادمة من اليمن، اختلطت بسكان محليين من أمازيغ شمال إفريقيا، وهم في الغالب الأعم إما ذوو بشرة بيضاء متوسطية او سمراء معتدلة. ولغة هؤلاء هي الحسانية، وهي خليط من العربية وبعض المصطلحات الامازيغية ، مع تحوير في النطق يصعب معه تمييز المعنى ما لم تكن من أبناء البلد.
الفئة الثانية من سكان البلاد هم الأفارقة السود، وهم -حسب ولد احميادة- من قبائل الوولوف المستقرة في السنغال وجنوبي موريتانيا، ولهجتها هي الوولوفية، ثم قبائل البول والفولان، وهي قبائل عريقة في المنطقة وكانت لها ممالك في السابق، وبعضها يقول إنه من نسل النبي محمد.
اقتربت من سيدة تحمل رضيعها على شاطي نواكشوط، على ظهرها طفل رضيع يطل برأسه الصغيرة وبيدها اليمنى دلو فيه كمية من السمك، سألتها باللغة العربية عن الثمن، لم تستطع الإجابة وظلت تلهج بلسان لم اتبينه.
سألت مرافقي البيضاني فلم ينفع في ذلك، قبل أن يتدخل شخص آخر ليسألها بنفس اللسان الذي تتحدث به، ثم قال لي إنها لهجة السونينكي. مضيت مع مرافقي بضع خطوات فإذا بسيدة ترتدي زيا سنغاليا مزركشا تتحدث بالوولوفية، كانت تعرض سمكها وتنظر إلى الميكروفون.
لم أفهم ما تقوله واكتفيت بعبارة (نانغاديف) أي كيف حالك، فابتسمت وقالت (ما نغي فيري) أي انا بخير. كاد زادي من اللهجة الوولوفية ينتهي فاستنجدت بعبارة (مايما ضوخ) أي اعطني ماء من فضلك!. ضحكت مني ومضت في كلامها معتقدة أني خبير بلهجتها.
الانتخابات الاخيرة حظيت باهتمام كبير من الموريتانيين
إلى جانب هذا تحتل اللغة الفرنسية حيزا هاما في التعاملات في موريتانيا، وخاصة في ميدان الاقتصاد والمعاملات الإدارية. فقد غادرت فرنسا هذا البلاد عام 1960، لكنها تركت كوادر إدارية وضباطا عسكريين تدربوا في مدارسها واكاديمياتها العسكرية، وهم الذين تولوا السلطة، في الغالب منذ ذلك الحين إلى أن أجريت الانتخابات الأخيرة التي وصفت بانها ديموقراطية.
كما أن النخبة من الأفارقة السود، تفضل في الغالب الأعم التحاور باللغة الفرنسية.
لكن وسط هذا التنوع في اللهجات والأعراق والقبائل، يظل الموريتانيون معتزين بالنطاق الجغرافي الذي يجمعهم. ويقول محمد ولد احميادة إن الإسلام لعب دورا هاما في صهر الجميع السكان في بوتقته، بحيث إن الاختلافات تذوب عند ذكر الدين الإسلامي الذي تعتنقه الغالبية العظمى من أبناء موريتانيا.
اقتربت من موريتاني أسود كان يسير خلف عربة يجرها حمار على الشاطء، وبعدما سألته عن طبيعة عمله كحمال للأسماك وعن مدخوله من هذه المهنة، قلت له هل تشعر بالفرق بينك وبين البيضانن أجابني بالفرنسية وهو واثق من نفسه: "نحن في موريتانيا لا فرق بين أبيض وأسود. أبدا، فكلنا موريتانيون ونعتز بالانتماء لهذا البلد".
في أحد مطاعم نواكشوط اشتكى شاب من أنه يعاني من التمييز في المعاملة بين البيض والسود، لكنه رد هذا المشكل إلى مخلفات ثقافية يرى أن الوقت قثد حان للتخلص منها، إلا أنه بحسرة أضاف أن ذلك قد يتطلب عقودا أخرى قادمة.
لكنه مع ذلك أشرقت عيناه فرحا وهو يراني أستمع باهتمام لأغنية من أداء المعلومة بنت الميداح، سألني "ما رأيك في الفن الراقي الذي يبدعه أبناء بلدي؟".
قلت له إنه جميل، وأنا أفكر في قدرة الموريتانيين على نسيان اختلافاتهم حين يتعلق الأمر ببعض الرموز الوطنية المشتركة.
صياد موريتاني افترش الشاطئ ليبيع اسماكه على بعد نحو ستة كيلومترات تقريبا يجتمع قرب مسجد السعوديين بوسط العاصمة نواكشوط حشد كبير من الرجال في سوق لبيع الهواتف المحمولة المستعملة، بعضهم يرتدي الدرّاعة الموريتانية المشهورة، وآخرون يلبسون ملابس فضفاضة أقرب إلى الزي التقليدي السائد في السنغال أو مالي.
حين تحاول الإصغاء إلى من في الشاطئ أو داخل سوق الهواتف المستعملة تجد انهم يلهجون بألسن مختلفة، بعضها حسّاني، وهي لغة البيضان أو عرب موريتانيا، والبعض الآخر فرنسية بلهجة إفريقية واضحة، وقد تسمع لغة الوولوف أو لهجات إفريقية مختلفة.
قد يكون ميناء السمك أو سوق الهواتف المحمولة نموذجين مصغرين يعكسان الكشكول العرقي واللغوي والثقافي لمن يعيشون في ما كان يسمى في سالف الأيام بأرض شنقيط أو البلاد السائبة أو موريتانيا كما تدعى حاليا.
لا توجد إحصاءات دقيقة حول نسب كل الأعراق التي يتشكل منها المجتمع الموريتاني، وذلك بالنظر إلى حركية السكان وترحالهم من جهة، وأيضا انفتاح حدود البلاد وصعوبة التحكم فيها ، مما يسمح بدخول آلاف مؤلفة من الأفارقة إليها، وخاصة من الجنوب والجنوب الشرقي، دون ان يلاقوا صعوبات جمة في ذلك.
الموريتانيون يمثلون اعراقا مختلفة
يقول الباحث السوسيولوجي الموريتاني محمد ولد احميادة إن التركيبة العرقية لمجتمعات موريتانيا تتألف أساسا من البيضان، وهم خليط من قبائل يعود أصلها إلى عرب قادمة من اليمن، اختلطت بسكان محليين من أمازيغ شمال إفريقيا، وهم في الغالب الأعم إما ذوو بشرة بيضاء متوسطية او سمراء معتدلة. ولغة هؤلاء هي الحسانية، وهي خليط من العربية وبعض المصطلحات الامازيغية ، مع تحوير في النطق يصعب معه تمييز المعنى ما لم تكن من أبناء البلد.
الفئة الثانية من سكان البلاد هم الأفارقة السود، وهم -حسب ولد احميادة- من قبائل الوولوف المستقرة في السنغال وجنوبي موريتانيا، ولهجتها هي الوولوفية، ثم قبائل البول والفولان، وهي قبائل عريقة في المنطقة وكانت لها ممالك في السابق، وبعضها يقول إنه من نسل النبي محمد.
اقتربت من سيدة تحمل رضيعها على شاطي نواكشوط، على ظهرها طفل رضيع يطل برأسه الصغيرة وبيدها اليمنى دلو فيه كمية من السمك، سألتها باللغة العربية عن الثمن، لم تستطع الإجابة وظلت تلهج بلسان لم اتبينه.
سألت مرافقي البيضاني فلم ينفع في ذلك، قبل أن يتدخل شخص آخر ليسألها بنفس اللسان الذي تتحدث به، ثم قال لي إنها لهجة السونينكي. مضيت مع مرافقي بضع خطوات فإذا بسيدة ترتدي زيا سنغاليا مزركشا تتحدث بالوولوفية، كانت تعرض سمكها وتنظر إلى الميكروفون.
لم أفهم ما تقوله واكتفيت بعبارة (نانغاديف) أي كيف حالك، فابتسمت وقالت (ما نغي فيري) أي انا بخير. كاد زادي من اللهجة الوولوفية ينتهي فاستنجدت بعبارة (مايما ضوخ) أي اعطني ماء من فضلك!. ضحكت مني ومضت في كلامها معتقدة أني خبير بلهجتها.
الانتخابات الاخيرة حظيت باهتمام كبير من الموريتانيين
إلى جانب هذا تحتل اللغة الفرنسية حيزا هاما في التعاملات في موريتانيا، وخاصة في ميدان الاقتصاد والمعاملات الإدارية. فقد غادرت فرنسا هذا البلاد عام 1960، لكنها تركت كوادر إدارية وضباطا عسكريين تدربوا في مدارسها واكاديمياتها العسكرية، وهم الذين تولوا السلطة، في الغالب منذ ذلك الحين إلى أن أجريت الانتخابات الأخيرة التي وصفت بانها ديموقراطية.
كما أن النخبة من الأفارقة السود، تفضل في الغالب الأعم التحاور باللغة الفرنسية.
لكن وسط هذا التنوع في اللهجات والأعراق والقبائل، يظل الموريتانيون معتزين بالنطاق الجغرافي الذي يجمعهم. ويقول محمد ولد احميادة إن الإسلام لعب دورا هاما في صهر الجميع السكان في بوتقته، بحيث إن الاختلافات تذوب عند ذكر الدين الإسلامي الذي تعتنقه الغالبية العظمى من أبناء موريتانيا.
اقتربت من موريتاني أسود كان يسير خلف عربة يجرها حمار على الشاطء، وبعدما سألته عن طبيعة عمله كحمال للأسماك وعن مدخوله من هذه المهنة، قلت له هل تشعر بالفرق بينك وبين البيضانن أجابني بالفرنسية وهو واثق من نفسه: "نحن في موريتانيا لا فرق بين أبيض وأسود. أبدا، فكلنا موريتانيون ونعتز بالانتماء لهذا البلد".
في أحد مطاعم نواكشوط اشتكى شاب من أنه يعاني من التمييز في المعاملة بين البيض والسود، لكنه رد هذا المشكل إلى مخلفات ثقافية يرى أن الوقت قثد حان للتخلص منها، إلا أنه بحسرة أضاف أن ذلك قد يتطلب عقودا أخرى قادمة.
لكنه مع ذلك أشرقت عيناه فرحا وهو يراني أستمع باهتمام لأغنية من أداء المعلومة بنت الميداح، سألني "ما رأيك في الفن الراقي الذي يبدعه أبناء بلدي؟".
قلت له إنه جميل، وأنا أفكر في قدرة الموريتانيين على نسيان اختلافاتهم حين يتعلق الأمر ببعض الرموز الوطنية المشتركة.