السعد عبدالله بن بيه*
في
أحد مقالاتي السابقة الموسوم بـ" حديث الديمقراطية في موريتانيا" والذي
نشرته في الصحافة الألكترونية المحلية –موقع الدرب المحترم- كنت قد كتبت
ما أعتبرته ساعتها ملاحظات أولية حول العمل السياسي الموريتاني في الآونة
الأخيرة ،وقد حاولت إثارة عديد من الإستفسارات حول طبيعة الصراع أو
التنافس بين مختلف الذوات السياسية ،ودوافع هذا التنافس والذي لايخفي سعيه
للسيطرة علي السلطة الحكومية – وإن بشكل مشروع- وإستخدامها ومحاولة
الإستئثار بالنفوذ .
وحتي لايكون هذا المقال إعادة لنشر بنود
المقال الماضي إلا أنه لاضير من الإشارة إلي نقاط سريعة وهو ما أثرناه حول
وعي المواطن بأهمية المشاركة السياسية ودوافع هذه المشاركة وهل تعطينا
مؤشر واضح عن مدي فهم وممارسة هذا المواطن للفعل أو الحق اليمقراطي في
إثبات ونفي المشروعية عن السلطة السياسية ،وكذلك قدرته علي التعاطي مع
البرامج التي من المفترض أن تمثل الأساس الموجه لميوله الإنتخابية ملاحظين
في نفس الوقت محدودية هذه البرامج وتداخلها وربما سطحيتها ،وبالرغم من
التجارب العملية الكبيرة التي خاضها أغلب من يتصدر للمنافسة السياسية
وخصوصا السيدين المناضل أحمد ولد داداه والرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله ،
إلا أن المعالجات التقليدية والمرتجلة والتي طغي عليها الحديث عن التغيير
أكثر من الحديث عن كيفية هذا التغيير ،حيث البرامج في مجملها برامج
توصيفية للأزمة دون تحديد واضح وعميق للطريق المناسب للخروج من هذه الأزمة
،لا أريد أن أطلق حكما قاسيا يصف ماحدث بأنه صراع بين أشخاص أكثر منه
تنافس علي أساس البرامج ،حيث لاحظنا وبشكل جلي غياب واضح لفكر حديث وغير
تقليدي يضع معالجات مستحدثة وذات سمة إبداعية لحل المشاكل البنيوية التي
تعاني منها البلاد ،وهو مؤشر خطير علي تلبد الحراك والخطاب السياسي بشكل
عام وعدم ربطه أو إحاطته بالعلم وبما يحدث في العالم من التطور الكبير في
الفكر السياسي وفي أساليب إدارة ثالوث التقدم الحضاري :الأشخاص ،والأموال
،والمعلومات0
ولكن السؤال الأهم –في تقديري –والذي ختمت به المقالة
السابقة وقد أردته سؤالا مركزيا هو:هل الصراع السياسي الذي نشهده اليوم
سيفرز بالضرورة أوضاعا أفضل من السابقة أم لا؟!
ورغم الحذر الشديد
الذي يجب أن تتسم به محاولة الإجابة إلي أنني أظن أن هذا الأمر يتوقف
أويعتمد علي كيفية إدارة الأمور في المستقبل وخصوصا بعض الملفات القديمة
الجديدة والأكثر تحديدا :
1- ملف المحافظة علي المكاسب في المجالين السياسي والديمقراطي .
2- ملف القصور التنموي (الفقر،ا لبطالة ...الخ).
3-ملف التطوير العام والشامل للبلاد .
4- ملف العلاقات الخارجية .
وبالرغم من هذا الأمرلابد من العمل علي :
ا-
ضرورة تطوير النظام السياسي بمفهومه الواسع ،والذي تعتبر الديمقراطية
كمفهوم وأداة للتداول السلمي للسلطة أحد عناصره ،ثم العمل علي تحديث
الإدارة وزيادة كفاءتها ،وكذلك تمتين أو تمكين مفهوم الدولة أو بناءها من
خلال سلطة مركزية قادرة علي تسيير البلد بشكل سيادي دون أن نهمل مبدء
اللامركزية –إذا أقتضت الضرورة – كأداة لخدمة برامج الدولة في المجال
الإداري والتنموي ،- وبخاصة ونحن حديثي عهد بالدكتاتورية التي أخضعت
العباد بالتخويف والترغيب والسيطرة علي مقدرات البلاد
ب- معالجة
المشكل الإجتماعي والوضع الإقتصادي المزري للسكان فالمؤشرات المتوفرة تنبئ
عن تركز الثروة بيد القلة من السكان بينما تزداد معدلات الفقر في الطبقات
الدنيا فضلا عن ضيق وتدهور الطبقة المتوسطة ،وتدهورالنظام التعليمي سواء
علي مستوي البنية التحتية والمناهج والكادر التعليمي ،مع مايعانيه أغلب
السكان من أوضاع صحية بائسة لم تنجح الحكومات السابقة في القضاء عليها
وهذه المشاكل هي جزء يسيرمن الحالة العامة لمختلف جوانب الحياة الأخري في
بلدنا فإلي جانب إزدياد معلات الفقر وتدهور التعليم وتراجع النظام الصحي
،هناك فشل سحيق في مجال البنية التحتية وفي البرامج الخدمية ،وعجز كامل في
مجال سياسات التشغيل والحد من البطالة والتي تعاني منها شرائح واسعة من
المجتمع وخصوصا الشباب الذي يعاني من إنسداد أفق المستقبل أمامه .
وعليه
وفي ظل تفاقم الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية لابد من رسم سياسات واضحة
ومستعجلة لمكافحة الفقر المدقع ومحاصرة أحزمته –حقيقة وليس إدعاء وزيفا-
ومواجهة غلاء المعيشة والعمل علي تحسين أوضاع ْ الطبقات الدنيا والمتوسطة
،والإهتمام بمشكلات الشباب ،ولهذا فإن الدولة الإجتماعية التي تخلق مجالات
للعمل وتؤمن صناديق الضمان الإجتماعي للفقراء والمعوزين والطلاب
والمتقاعدين أمر هام وضروري في موريتانيا اليوم أكثر من أي وقت مضي ،إنها
مهمة جليلة يجب العمل عليها ،وهذا هو لب التغيير الذي يبحث عنه الشعب في
فترة مابعد أعراس السياسة والإنتخابات .
ولحل تلك المشكلات والوصول
لتلك الأهداف نحتاج إلي حلول لن أقول سحرية وإنما حلول سريعة ولكنها
مدروسة وهو أمر ممكن اليوم إذا أتيح المجال للرئيس الجديد وأعطي الفرصة
كاملة لذلك من قبل القوي المنافسة (المعارضة) والقوي المشاركة (المتحالفة)
" إستراحة محارب"وخصوصا إذا عرفنا أن الرئيس الجديد لموريتانيا هو شخص
يميل إلي التوافق والعمل الجماعي كما هو بين من خلال تصريحاته ومواقفه
المعلنة عكس ماعرفناه وشهدناه في الماضي القريب من التفرد بالسلطة
والقرار، ليفكر ويتشاور ويحدد فكرة كبيرةهي عبارة عن مشروع مجتمعي تقوم
عليه الدولة ويجيب عن تصوراتنا لموريتانيا بعد 15 عاما؟!وماهي الأهداف
الأبرز والأكثر إلحاحا ؟التي يجب أن ترسم لها البرامج والخطط الواضحة
والعملية وتعتمد لها الوسائل الكفؤوة للوصول إليها خلال الخمس سنوات
القادمة وهو أمر بحاجة بعد أن يتبناه الرئيس الجديد أن يتشاور فيه مع
القوي السياسية والمدنية مع توسيع الدائرة لتشمل العلماء والخبراء
والأكادميين والمثقفين –ليخرج الصواب- وكذلك بقية شرائح المجتمع صاحبة
المصلحة الحقيقية في التغيير،وهذه المحاولة للتغيير الجيد تتطلب الإصلاح
في جهاز الدولة والقوانين ،ونشر الوعي والثقافة العصرية بين المواطنين
فضلا عن بث روح الأمل والجدية لدي الإنسان الموريتاني ،ولايمكن تصور
التقدم الذي نرنوا إليه دون وجود فكرة عامة وكبيرة تمثل رؤية لمجموع الشعب
المؤمن بها والحامل لها ،فالخبرة والعلم بالتاريخ يلهمنا أن بناء الحضارات
والدول لابد أن يقوم علي فكرة ،وإذا استنطقنا تاريخنا الإسلامي فإن كلمة
"إقرأ"مثلت مشروعا وفكرة موجزة لكنها قوية وكافية لتكون بذرة أولي لقيام
حضارتنا العربية الإسلامية إن فهما معقولا لسنة وسيرة المصطفي صلاة ربي مع
السلام عليه يرشدنا إلي ماعملته الفكرة الإسلامية في النفوس لتحقق الأمن
والرخاء وهما شرطي الحضارة .
وإذا أستئنسنا بالتاريخ السياسي الأوروبي
والأمريكي في العصر الحديث فلسوف ندرك حقيقة أن الثورتين الفرنسية
والأمريكية قامتا علي كلمات بسيطة ومحددة لكنها عميقة ومؤثرة مثلت فكرة
حلم بها الناس ،ولعل أهم ثمرة نخرج بها من الفترة الإنتقالية هي ضرورة أن
نحلم بالأمل فما قدمه العسكر لموريتانيا- ولأنني لاأميل للقراءة التآمرية-
قد نجمله بكلمة واحدة أن "التغيير ممكن"
لأجل ما تقدم أقترح التركيز
علي ثلاثة قضايا أساسية ،وكذلك علي قطاعات محددة لكنها إستراتيجية قد تقود
عملية البناء التنموي ،أما عن المفاهيم الثلاثة فأقترح :
أولا: أن نعطي
أنفسنا إستراحة من السياسة بمفهومها الضيق ،أي مفهوم الصراع علي المنافع
والكيد للخصوم وتسجيل النقاط ،والإستمرار بالسياسة كفكرة وطريق لتحقيق
التطور والتقدم المنشود ،نعم للإقتصاد لا للسياسة بالمفهوم الضيق ،نعم
للبناء والتشارك لا للإيديولوجيا
يجب أن لا نستنزف مواردنا :الوقت والجهد في معارك هامشة فمعركة بناء الوطن تتسع للجميع 0
ثانيا : ضرورة الإستفادة من تجارب النهوض التي شهدتها بعض الدول في العالم الثالث ماليزيا ،الهند ،تركيا ،سنغافورة....لخ
ثالثا:
الإستفادة من الميزة التاريخية والجغرافية لبلدنا ،أي إعتماد سياسة خارجية
هادفة تحسن "إدراك الدور" الذي يمكن أداءه إستنادا إلي فترات من تاريخها
الدبلوماسي المجيد في إفريقيا والعالم ،إضافة إلي ميزة الموقع الإستراتيجي
مع مراعات المتغيرات في البئتين الإقليمية والدولية والتي تمثل ضابطا
لإيقاع السياسة الخارجية وأدواتها المختلفة ،مع أهمية التركيز علي
دبلوماسية تضاعف رفاه الدولة من خلال درء المخاطر وجلب الإستثمار .
تلك هي المفاهيم الثلاث التي يمكن أن تحكم رؤيتنا المؤقتة فيما يتعلق بالسياسة والإقتصاد خلال المدة الرئاسية القادمة .
أما
عن القطاعات الإستيراتيجية التي يجب التركيز عليها ويمكنها أن تجر عربة
الإقتصاد الوطني ،وتزيد نسبة النمو والذي هو هدف معلن في سياسة الرئيس
الجديد في المجال الإقتصادي ،وبالتالي خلق فرص العمل الضرورية وتوسيع
قاعدة الإنتاج وتوفر الرساميل الضرورية لمضاعفة الإستثمار ،فيمكن تحديد
أربعة قطاعات :
1- التركيز علي قطاع النفط من خلال سياسة واضحة في مجال
الطاقة تنظر إلي هذه الثروة كمورد فان وغير متجدد وبالتالي تحقيق أقصي
درجات الرشد الإقتصادي في التعامل معها وتدوير عائداتها في قطاعات الصحة
والتعليم لتنمية المورد البشري ،وفي بقية القطاعات الأخري لتنويع الإقتصاد
بدل الإعتماد علي الطاقة فحسب وكذا تكثيف عمليات التنقيب وتنويع الشراكة
في مجال النفط مع مختلف الشركاء والدول المحتملين في العالم .
2- قطاع الثروة المعدنية :وهو قطاع يحتاج إلي رسم سياسة جديدة في مجال الإستخراج والتسويق0
3-
قطاع الزراعي والحيواني والصيد البحري :لأن شرائح واسعة من السكان تعيش من
وراءه ،ولأن المورد الزراعي والحيواني والبحري يعتبر موردا متجددا وهو في
المدي البعيد ذو أهمية خاصة أكثر من الموارد الفانية والمؤقتة ،وفي هذا
الصدد فلا بد من تحديث المجال الزراعي ومكننته وتطوير تربية المواشي ،ورسم
سياسة أكثر فاعلية في مجال الصيد البحري ومراجعة إتفاقياته وإعتماد سياسة
رقابية صارمة ،وتلعب عملية التدريب المستمر وتنظيم وتوعية المواطنين
المنخرطين في هذه المجالات الثلاثة دورا أساسيا في نجاح هذا القطاع 0
4-
قطاع التعليم والإعلام : وهما قطاعان يلعبان دورا حاسما في عملية التنمية
حيث يقع علي عاتق التعليم والإعلام مهمة تجديد وترسيخ القيم أي تشكيل وعي
ونظرة المواطن إلي قيمة العمل ،والعلم ،والخبرة ،والعقلانية،والرشد وهي
قيم تجب تنميتها وتجذيرها في عقل المواطن الموريتاني عن طريق إصلاح مناهج
التعليم وتحديثها وإدخال الوسيط التكنلوجي ،وإصلاح الإعلام وزيادة جرعة
الحرية فيه مع التأكيد علي المسؤولية .
إن العمل علي هذه القطاعات سوف
ينتج إقتصادا متوازنا ومتنوعا، وكل ماعملنا علي تنمية إقتصادنا وإصلاح
القوانين الناظمة وطورنا منظومتنا التعليمية والمهنية ورسخنا قيم الإعلام
الحر والمسؤول ،وفعلنا نظامنا القضائي بشكل صحيح كل ما ساهمنا في تهيئة
البيئة الجالبة للإستثمار وتلبية مطالب التطوير الإقتصادي والإجتماعي ،وفي
هذا الصدد فإن دور الصفوة المثقفة ودور المجتمع المدني لايقل أهمية عن دور
الحكومة في تشجيع القيم الإيجابية للبناء ومحاربة القيم الفاسدة ،إذ يكفي
موريتانيا ماعانته خلال عقدين من الرشوة والنهب العام والإهمال والتسيب
والمحسوبية 0
وفي الأخير يجدر بنا الإشارة إلي أننا غلبنا جانب
الأمنيات في هذه المعالجة تصديقا منا لرغبة الكل السياسي في العبور إلي
المستقبل وتناسي ماحدث في الأمس ،مع قناعتنا أن لسان حال الشعب يردد "أن
المؤمن لايلدغ من جحر مرتين"ويردد "إن عدتم عدنا " أيها الفاسدون!
* باحث في مجال العلوم السياسية
Saadbayeh_2006@hitmail.com
في
أحد مقالاتي السابقة الموسوم بـ" حديث الديمقراطية في موريتانيا" والذي
نشرته في الصحافة الألكترونية المحلية –موقع الدرب المحترم- كنت قد كتبت
ما أعتبرته ساعتها ملاحظات أولية حول العمل السياسي الموريتاني في الآونة
الأخيرة ،وقد حاولت إثارة عديد من الإستفسارات حول طبيعة الصراع أو
التنافس بين مختلف الذوات السياسية ،ودوافع هذا التنافس والذي لايخفي سعيه
للسيطرة علي السلطة الحكومية – وإن بشكل مشروع- وإستخدامها ومحاولة
الإستئثار بالنفوذ .
وحتي لايكون هذا المقال إعادة لنشر بنود
المقال الماضي إلا أنه لاضير من الإشارة إلي نقاط سريعة وهو ما أثرناه حول
وعي المواطن بأهمية المشاركة السياسية ودوافع هذه المشاركة وهل تعطينا
مؤشر واضح عن مدي فهم وممارسة هذا المواطن للفعل أو الحق اليمقراطي في
إثبات ونفي المشروعية عن السلطة السياسية ،وكذلك قدرته علي التعاطي مع
البرامج التي من المفترض أن تمثل الأساس الموجه لميوله الإنتخابية ملاحظين
في نفس الوقت محدودية هذه البرامج وتداخلها وربما سطحيتها ،وبالرغم من
التجارب العملية الكبيرة التي خاضها أغلب من يتصدر للمنافسة السياسية
وخصوصا السيدين المناضل أحمد ولد داداه والرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله ،
إلا أن المعالجات التقليدية والمرتجلة والتي طغي عليها الحديث عن التغيير
أكثر من الحديث عن كيفية هذا التغيير ،حيث البرامج في مجملها برامج
توصيفية للأزمة دون تحديد واضح وعميق للطريق المناسب للخروج من هذه الأزمة
،لا أريد أن أطلق حكما قاسيا يصف ماحدث بأنه صراع بين أشخاص أكثر منه
تنافس علي أساس البرامج ،حيث لاحظنا وبشكل جلي غياب واضح لفكر حديث وغير
تقليدي يضع معالجات مستحدثة وذات سمة إبداعية لحل المشاكل البنيوية التي
تعاني منها البلاد ،وهو مؤشر خطير علي تلبد الحراك والخطاب السياسي بشكل
عام وعدم ربطه أو إحاطته بالعلم وبما يحدث في العالم من التطور الكبير في
الفكر السياسي وفي أساليب إدارة ثالوث التقدم الحضاري :الأشخاص ،والأموال
،والمعلومات0
ولكن السؤال الأهم –في تقديري –والذي ختمت به المقالة
السابقة وقد أردته سؤالا مركزيا هو:هل الصراع السياسي الذي نشهده اليوم
سيفرز بالضرورة أوضاعا أفضل من السابقة أم لا؟!
ورغم الحذر الشديد
الذي يجب أن تتسم به محاولة الإجابة إلي أنني أظن أن هذا الأمر يتوقف
أويعتمد علي كيفية إدارة الأمور في المستقبل وخصوصا بعض الملفات القديمة
الجديدة والأكثر تحديدا :
1- ملف المحافظة علي المكاسب في المجالين السياسي والديمقراطي .
2- ملف القصور التنموي (الفقر،ا لبطالة ...الخ).
3-ملف التطوير العام والشامل للبلاد .
4- ملف العلاقات الخارجية .
وبالرغم من هذا الأمرلابد من العمل علي :
ا-
ضرورة تطوير النظام السياسي بمفهومه الواسع ،والذي تعتبر الديمقراطية
كمفهوم وأداة للتداول السلمي للسلطة أحد عناصره ،ثم العمل علي تحديث
الإدارة وزيادة كفاءتها ،وكذلك تمتين أو تمكين مفهوم الدولة أو بناءها من
خلال سلطة مركزية قادرة علي تسيير البلد بشكل سيادي دون أن نهمل مبدء
اللامركزية –إذا أقتضت الضرورة – كأداة لخدمة برامج الدولة في المجال
الإداري والتنموي ،- وبخاصة ونحن حديثي عهد بالدكتاتورية التي أخضعت
العباد بالتخويف والترغيب والسيطرة علي مقدرات البلاد
ب- معالجة
المشكل الإجتماعي والوضع الإقتصادي المزري للسكان فالمؤشرات المتوفرة تنبئ
عن تركز الثروة بيد القلة من السكان بينما تزداد معدلات الفقر في الطبقات
الدنيا فضلا عن ضيق وتدهور الطبقة المتوسطة ،وتدهورالنظام التعليمي سواء
علي مستوي البنية التحتية والمناهج والكادر التعليمي ،مع مايعانيه أغلب
السكان من أوضاع صحية بائسة لم تنجح الحكومات السابقة في القضاء عليها
وهذه المشاكل هي جزء يسيرمن الحالة العامة لمختلف جوانب الحياة الأخري في
بلدنا فإلي جانب إزدياد معلات الفقر وتدهور التعليم وتراجع النظام الصحي
،هناك فشل سحيق في مجال البنية التحتية وفي البرامج الخدمية ،وعجز كامل في
مجال سياسات التشغيل والحد من البطالة والتي تعاني منها شرائح واسعة من
المجتمع وخصوصا الشباب الذي يعاني من إنسداد أفق المستقبل أمامه .
وعليه
وفي ظل تفاقم الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية لابد من رسم سياسات واضحة
ومستعجلة لمكافحة الفقر المدقع ومحاصرة أحزمته –حقيقة وليس إدعاء وزيفا-
ومواجهة غلاء المعيشة والعمل علي تحسين أوضاع ْ الطبقات الدنيا والمتوسطة
،والإهتمام بمشكلات الشباب ،ولهذا فإن الدولة الإجتماعية التي تخلق مجالات
للعمل وتؤمن صناديق الضمان الإجتماعي للفقراء والمعوزين والطلاب
والمتقاعدين أمر هام وضروري في موريتانيا اليوم أكثر من أي وقت مضي ،إنها
مهمة جليلة يجب العمل عليها ،وهذا هو لب التغيير الذي يبحث عنه الشعب في
فترة مابعد أعراس السياسة والإنتخابات .
ولحل تلك المشكلات والوصول
لتلك الأهداف نحتاج إلي حلول لن أقول سحرية وإنما حلول سريعة ولكنها
مدروسة وهو أمر ممكن اليوم إذا أتيح المجال للرئيس الجديد وأعطي الفرصة
كاملة لذلك من قبل القوي المنافسة (المعارضة) والقوي المشاركة (المتحالفة)
" إستراحة محارب"وخصوصا إذا عرفنا أن الرئيس الجديد لموريتانيا هو شخص
يميل إلي التوافق والعمل الجماعي كما هو بين من خلال تصريحاته ومواقفه
المعلنة عكس ماعرفناه وشهدناه في الماضي القريب من التفرد بالسلطة
والقرار، ليفكر ويتشاور ويحدد فكرة كبيرةهي عبارة عن مشروع مجتمعي تقوم
عليه الدولة ويجيب عن تصوراتنا لموريتانيا بعد 15 عاما؟!وماهي الأهداف
الأبرز والأكثر إلحاحا ؟التي يجب أن ترسم لها البرامج والخطط الواضحة
والعملية وتعتمد لها الوسائل الكفؤوة للوصول إليها خلال الخمس سنوات
القادمة وهو أمر بحاجة بعد أن يتبناه الرئيس الجديد أن يتشاور فيه مع
القوي السياسية والمدنية مع توسيع الدائرة لتشمل العلماء والخبراء
والأكادميين والمثقفين –ليخرج الصواب- وكذلك بقية شرائح المجتمع صاحبة
المصلحة الحقيقية في التغيير،وهذه المحاولة للتغيير الجيد تتطلب الإصلاح
في جهاز الدولة والقوانين ،ونشر الوعي والثقافة العصرية بين المواطنين
فضلا عن بث روح الأمل والجدية لدي الإنسان الموريتاني ،ولايمكن تصور
التقدم الذي نرنوا إليه دون وجود فكرة عامة وكبيرة تمثل رؤية لمجموع الشعب
المؤمن بها والحامل لها ،فالخبرة والعلم بالتاريخ يلهمنا أن بناء الحضارات
والدول لابد أن يقوم علي فكرة ،وإذا استنطقنا تاريخنا الإسلامي فإن كلمة
"إقرأ"مثلت مشروعا وفكرة موجزة لكنها قوية وكافية لتكون بذرة أولي لقيام
حضارتنا العربية الإسلامية إن فهما معقولا لسنة وسيرة المصطفي صلاة ربي مع
السلام عليه يرشدنا إلي ماعملته الفكرة الإسلامية في النفوس لتحقق الأمن
والرخاء وهما شرطي الحضارة .
وإذا أستئنسنا بالتاريخ السياسي الأوروبي
والأمريكي في العصر الحديث فلسوف ندرك حقيقة أن الثورتين الفرنسية
والأمريكية قامتا علي كلمات بسيطة ومحددة لكنها عميقة ومؤثرة مثلت فكرة
حلم بها الناس ،ولعل أهم ثمرة نخرج بها من الفترة الإنتقالية هي ضرورة أن
نحلم بالأمل فما قدمه العسكر لموريتانيا- ولأنني لاأميل للقراءة التآمرية-
قد نجمله بكلمة واحدة أن "التغيير ممكن"
لأجل ما تقدم أقترح التركيز
علي ثلاثة قضايا أساسية ،وكذلك علي قطاعات محددة لكنها إستراتيجية قد تقود
عملية البناء التنموي ،أما عن المفاهيم الثلاثة فأقترح :
أولا: أن نعطي
أنفسنا إستراحة من السياسة بمفهومها الضيق ،أي مفهوم الصراع علي المنافع
والكيد للخصوم وتسجيل النقاط ،والإستمرار بالسياسة كفكرة وطريق لتحقيق
التطور والتقدم المنشود ،نعم للإقتصاد لا للسياسة بالمفهوم الضيق ،نعم
للبناء والتشارك لا للإيديولوجيا
يجب أن لا نستنزف مواردنا :الوقت والجهد في معارك هامشة فمعركة بناء الوطن تتسع للجميع 0
ثانيا : ضرورة الإستفادة من تجارب النهوض التي شهدتها بعض الدول في العالم الثالث ماليزيا ،الهند ،تركيا ،سنغافورة....لخ
ثالثا:
الإستفادة من الميزة التاريخية والجغرافية لبلدنا ،أي إعتماد سياسة خارجية
هادفة تحسن "إدراك الدور" الذي يمكن أداءه إستنادا إلي فترات من تاريخها
الدبلوماسي المجيد في إفريقيا والعالم ،إضافة إلي ميزة الموقع الإستراتيجي
مع مراعات المتغيرات في البئتين الإقليمية والدولية والتي تمثل ضابطا
لإيقاع السياسة الخارجية وأدواتها المختلفة ،مع أهمية التركيز علي
دبلوماسية تضاعف رفاه الدولة من خلال درء المخاطر وجلب الإستثمار .
تلك هي المفاهيم الثلاث التي يمكن أن تحكم رؤيتنا المؤقتة فيما يتعلق بالسياسة والإقتصاد خلال المدة الرئاسية القادمة .
أما
عن القطاعات الإستيراتيجية التي يجب التركيز عليها ويمكنها أن تجر عربة
الإقتصاد الوطني ،وتزيد نسبة النمو والذي هو هدف معلن في سياسة الرئيس
الجديد في المجال الإقتصادي ،وبالتالي خلق فرص العمل الضرورية وتوسيع
قاعدة الإنتاج وتوفر الرساميل الضرورية لمضاعفة الإستثمار ،فيمكن تحديد
أربعة قطاعات :
1- التركيز علي قطاع النفط من خلال سياسة واضحة في مجال
الطاقة تنظر إلي هذه الثروة كمورد فان وغير متجدد وبالتالي تحقيق أقصي
درجات الرشد الإقتصادي في التعامل معها وتدوير عائداتها في قطاعات الصحة
والتعليم لتنمية المورد البشري ،وفي بقية القطاعات الأخري لتنويع الإقتصاد
بدل الإعتماد علي الطاقة فحسب وكذا تكثيف عمليات التنقيب وتنويع الشراكة
في مجال النفط مع مختلف الشركاء والدول المحتملين في العالم .
2- قطاع الثروة المعدنية :وهو قطاع يحتاج إلي رسم سياسة جديدة في مجال الإستخراج والتسويق0
3-
قطاع الزراعي والحيواني والصيد البحري :لأن شرائح واسعة من السكان تعيش من
وراءه ،ولأن المورد الزراعي والحيواني والبحري يعتبر موردا متجددا وهو في
المدي البعيد ذو أهمية خاصة أكثر من الموارد الفانية والمؤقتة ،وفي هذا
الصدد فلا بد من تحديث المجال الزراعي ومكننته وتطوير تربية المواشي ،ورسم
سياسة أكثر فاعلية في مجال الصيد البحري ومراجعة إتفاقياته وإعتماد سياسة
رقابية صارمة ،وتلعب عملية التدريب المستمر وتنظيم وتوعية المواطنين
المنخرطين في هذه المجالات الثلاثة دورا أساسيا في نجاح هذا القطاع 0
4-
قطاع التعليم والإعلام : وهما قطاعان يلعبان دورا حاسما في عملية التنمية
حيث يقع علي عاتق التعليم والإعلام مهمة تجديد وترسيخ القيم أي تشكيل وعي
ونظرة المواطن إلي قيمة العمل ،والعلم ،والخبرة ،والعقلانية،والرشد وهي
قيم تجب تنميتها وتجذيرها في عقل المواطن الموريتاني عن طريق إصلاح مناهج
التعليم وتحديثها وإدخال الوسيط التكنلوجي ،وإصلاح الإعلام وزيادة جرعة
الحرية فيه مع التأكيد علي المسؤولية .
إن العمل علي هذه القطاعات سوف
ينتج إقتصادا متوازنا ومتنوعا، وكل ماعملنا علي تنمية إقتصادنا وإصلاح
القوانين الناظمة وطورنا منظومتنا التعليمية والمهنية ورسخنا قيم الإعلام
الحر والمسؤول ،وفعلنا نظامنا القضائي بشكل صحيح كل ما ساهمنا في تهيئة
البيئة الجالبة للإستثمار وتلبية مطالب التطوير الإقتصادي والإجتماعي ،وفي
هذا الصدد فإن دور الصفوة المثقفة ودور المجتمع المدني لايقل أهمية عن دور
الحكومة في تشجيع القيم الإيجابية للبناء ومحاربة القيم الفاسدة ،إذ يكفي
موريتانيا ماعانته خلال عقدين من الرشوة والنهب العام والإهمال والتسيب
والمحسوبية 0
وفي الأخير يجدر بنا الإشارة إلي أننا غلبنا جانب
الأمنيات في هذه المعالجة تصديقا منا لرغبة الكل السياسي في العبور إلي
المستقبل وتناسي ماحدث في الأمس ،مع قناعتنا أن لسان حال الشعب يردد "أن
المؤمن لايلدغ من جحر مرتين"ويردد "إن عدتم عدنا " أيها الفاسدون!
* باحث في مجال العلوم السياسية
Saadbayeh_2006@hitmail.com