نحن علي مفترق طرق اما أن تختار القوي الجديدة الاستمرار في المناورات او تقوم ببناء جسور الثقة
هل ستدخل نواكشوط عصر دولة القانون التي يتوفر فيها حد من الحرية والتعددية الحزبية والمدنية؟
محمد السالك ولد إبراهيم:
في ذكري لحظات سعيدة..
تجري الاستعدادات هذه الأيام لوضع اللمسات الأخيرة علي الدولة الموريتانية
الجديدة ذات المؤسسات الدستورية اللائقة والتي كرستها إرادة الشعب
الموريتاني صاحب الحق. وستبرز الجمهورية الجديدة للناظرين في ثوبها القشيب
بين الحين والآخر. والرجل الذي أراد لها أن تكون كذلك وضحي في سبيلها بما
لديه ووهب لها سيفه ودرعه وترسه، سيبرز إلي جانبها في ثوبه القشيب هو
الآخر.. وسيحضر الأصدقاء والأقارب والمتطفلون والناس جميعا باستثناء
الجيران... لكن غيابهم لن يغض من جلالة المشهد ولا من سحر تلك اللحظات:
فسيري الراؤون موريتانيا الجديدة وهي تدوس النجوم بأخمصيها.
لحظات فريدة بالتأكيد.
ثم، يصحوا الناس وتستعيد الحياة اليومية تعاستها المعتادة...
وتبلي الحلل وهي جديدة.. إلا أن الحضور سيذكرون دوما أنهم عاشوا تلك اللحظات.
أما
الجمهورية الجديدة فسيبقي لها دائما أن تذكر الرجل الذي اختارها لنفسه -
إذا هو نسي- بأنه مخير بين أمرين في معاملتها: إمساك بمعروف أو تسريح
بإحسان .
( لحظات سعيدة هي افتتاحية صحيفة البيان الموريتانية/ عدد 11، من 16 إلي 26 نيسان ـ ابريل 1992).
بين الليلة و.. البارحة
علي
وقع رسائل التهاني والتبريكات من كل أرجاء العالم لكل من الرئيسين
الموريتانيين الجديد المنتخب وكذا الآخر المنتهية ولايته، تغمر
الموريتانيين هذه الأيام مشاعر فياضة تمتزج فيها نشوة الانتصار والنجاح
إلي جانب التعقل وكظم الغيظ والتأني والتحلي بالبراغماتية والانشغال
بحسابات الربح والخسارة وتخمين المحاصصات بالنسبة لجميع الأطراف التي
شاركت في اللعبة.
والكل مستسلم لدغدغة الإطراءات العربية والدولية
المشيدة بنجاح المسلسل الانتقالي نحو الديمقراطية في موريتانيا، والتغني
بتفرد تجربة هذا البلد وأهمية استخلاص أسرار الدرس الديمقراطي من عند
أهله، بينما تبدو أغلبية النخب العربية وكأنها تكتشف للتو لحظة شاردة لـ
تجليات الديمقراطية الموريتانية بالرغم من أن عمر هذه التجربة يربو الآن
علي 16 سنة منذ وضع أول دستور تعددي عرفته البلاد سنة 1991.. يتم كل هذا
وموريتانيا ـ التي تقف مجددا علي مفترق طرق حاسم ـ حيث اكدت موعدا آخر مع
التاريخ. عندما جري تنصيب الرئيس المنتخب واستلامه لمقاليد السلطة يوم امس
19 ابريل (نيسان) 2007 من طرف المجلس العسكري للديمقراطية والعدالة الذي
قاد المسلسل الانتقالي منذ 3 اب (اغسطس) 2005. ويبدو أن مشهد تنصيب رئيس
الجمهورية قد تكرر للمرة الثانية في تاريخ هذا البلد، بعد أن تم تنصيب أول
رئيس منتخب ـ قبل خمس عشرة سنة ـ في 18 ابريل (نيسان) سنة 1992!
فما
الذي ستحمله مراسم امس وما حدث قبل اكثر من عقد كما خلدتها لنا افتتاحية
صحيفة البيان؟ وهل من جديد حقا؟ أم أن لسان حال الديمقراطية الموريتانية
يقول: كل مرحلة انتقالية وانتم بخير وكل تنصيب وأنتم بخير؟
وإذا كانت
كل محاولة لتقييم المرحلة الانتقالية ـ بما لها وما عليها ـ تعد من السابق
لأوانه وغير مواتية من الناحية المنهجية، فإن واجب التساؤل المتيقظ عن ما
بعد المرحلة الانتقالية يظل واردا، بعيدا عن أجواء التحمس المشروع ومواقف
التفاؤل والتشاؤم التي تتنازع الرأي العام هذه الأيام .
فهل ستنجح
موريتانيا ما بعد المرحلة الانتقالية في التصالح مع ذاتها قصد وضع تصور
مبدع لتشكيل نظام سياسي أو براديغم paradigmeجديد مغاير وقادر علي
الاضطلاع بالمهام المرحلية الجسيمة؟ وما هي أهم ملامح ومقومات وخريطة هذا
النظام السياسي الجديد، وما هي معالم وسيناريوهات التغييرات والإصلاحات
التي تمليها المرحلة وما أجندتها الزمنية الممكنة؟
ادوار القوي الموريتانية في الداخل والخارج
ماذا
عن أدوار مختلف الفاعلين السياسيين داخل الساحة الموريتانية وخارجها؟ ماذا
عن المعطيات الإقليمية والدولية؟ وهل توجد إرادة صادقة وجدية لدي مختلف
فرقاء المشهد السياسي الموريتاني للتأمل والتفكير والإصلاح؟ وهل ستتاح لهم
الظروف الملائمة لذلك ؟ وكيف سيكون المستقبل السياسي لموريتانيا؟ وما هي
التطورات المحتملة والآفاق المنظورة لمرحلة ما بعد المسلسل الانتقالي ؟ هل
نضجت الظروف الموضوعية لإقامة الجمهورية الثالثة في موريتانيا؟ أم أن مناخ
الصحراء وتقلباته المفاجئة سيبقي سيد الموقف؟
من وجهة نظر تحليل
استراتيجي بارد لخلفية المسلسل الديمقراطي الانتقالي والاستحقاقات
الانتخابية ( البلدية، البرلمانية والرئاسية) التي تمخضت عنه، وتداعياتها
المختلفة، تظهر جملة من المعطيات البنيوية المهمة التي تشكل الإجابة عليها
محددات أساسية لبلورة طبيعة واتجاهات تطور الأحداث الراهنة وآفاقها
المستقبلية داخل الساحة الموريتانية.
هل انقلاب 3 آب (اغسطس) الناجح
الذي ـ بالرغم من كل شيء ـ قد أطاح برئيس جمهورية منتخب ومنصب، سيكون مجرد
ضجة قامت وانتهت بسلام من خلال تسليم السلطة لرئيس آخر منتخب ومنصب علي
مرأي من طوابير المراقبين الدوليين والمحليين ؟ وما هي الضمانات الضرورية
لاستقرار موازين الحكم في البلد والخروج به نهائيا من الحلقة المفرغة
للديمقراطيات الانتقالية بشهود أو من دون شهود؟ أم أن ذلك الانقلاب سيشكل
نهاية فعلية لفترة الاستقرار السياسي النسبي التي عرفتها موريتانيا منذ
آخر انقلاب عسكري سنة 1984؟ وعلي ضوء ذلك ما هي طبيعة وحجم المخاطر التي
تتهدد البلاد في المستقبل المنظور:
- هل هي مشاكل أمنية وعسكرية: دوامة انقلابات، انفلات أمني داخلي، انفراط عقد الوحدة الوطنية، انتشار العنف المسلح؟ الإرهاب؟
-
هل هي مشاكل سياسية وتواصلية: أزمات ثقة، تعرقل المسار الديمقراطي، انحسار
المشاركة، العجز التواصلي، الاحتقان السياسي، الصراع علي السلطة، الحرب
الأهلية؟
- هل هي مشاكل اجتماعية واقتصادية: تعثر خطة الإصلاحات
الاقتصادية، فشل برامج مكافحة الفقر، تخلف الغطاء الصحي والضمان
الاجتماعي، اتساع دائرة التهميش، استفحال البطالة، تراكم الإحباط والتوتر،
تنامي الاضطرابات المجتمعية؟
- هل هي مشاكل بيئية ومناخية: كوارث طبيعية كارتفاع المد البحري واشتداد الجفاف والتصحر وانتشار التلوث البيئي ؟
-
هل هي مشاكل جيوبوليتيكية ودبلوماسية: نزاعات حدودية مع بعض دول الجوار،
خلافات وأزمات دبلوماسية إقليمية، اختلالات في قراءة موازين القوي
الدولية، أخطاء في السياسة الخارجية، عزلة دبلوماسية؟
رهانات المرحلة
بعد
اكتمال المسلسل الانتقالي، بإمكان المراقبين التساؤل عن ماذا بعد؟ وما هي
رهانات المرحلة القادمة؟ وكيف سيكون المستقبل السياسي لموريتانيا الجديدة
؟ وما هي التطورات المحتملة والآفاق المنظورة لما بعد المسلسل الانتقالي؟
وهل سيتعزز السعي نحو إقامة الجمهورية الثالثة ؟ وما هي الشروط
والمستلزمات الضرورية لذلك التحول الكبير؟
- هل ستتم إعادة تأهيل
وتفعيل الطبيعة الجمهورية لنظام الحكم السياسي في البلد بما يقيم دعائم
ثابتة لتأسيس الجمهورية الثالثة ويمكنها من الاضطلاع بجدية وكفاءة بكامل
مهامها ومسؤولياتها داخليا وخارجيا علي أساس من الحكمة والانفتاح وحسن
تقدير الأمور واحترام القوانين والنظم والمؤسسات الجمهورية في عملية تفاعل
وتكامل وتطور واع ومسؤول لخدمة مصالح الشعب الموريتاني أولا وقبل كل شيء؟
-
هل سيتم بناء جسور حقيقية وجادة للحوار الديمقراطي بين ومع مختلف الفاعلين
السياسيين الوطنيين في الساحة وخارجها وتبني مبادرة إعادة بناء خطاب سياسي
وطني عصري يتعالي علي الثنائية الكلاسيكية لـ السلطة والمعارضة ويقوم علي
أسس جديدة وجدية تتركز حول قضايا: (أ) مصلحة و(ب) أمن و(ج) استقرار و(د)
تنمية الجمهورية الإسلامية الموريتانية؟
- هل ستحسم - نهائيا وحصريا-
إشكالية شرعية الوصول إلي السلطة وتداولها لصالح التغيير الديمقراطي
التعددي والسلمي - بعيدا عن كل أشكال العنف كخيار بديل- مع تبني ميثاق شرف
جمهوري لنبذ وتجريم أي شكل آخر مغاير؟
- هل ستقلع موريتانيا فعليا نحو
نموذج دولة القانون مع تطوير آليات ديمقراطية توفر- علي الدوام- حدا
مناسبا من الحرية والتعددية الحزبية والمدنية والإعلامية بما يحسم نهائيا
موضوع التغيير السياسي لصالح الخيار الديمقراطي المدني ذي الطابع السلمي
وبما يضمن استتباب السلم الاجتماعي ويحقق التنمية الشاملة والمتوازنة؟
-
هل سيتم إيجاد حل جذري للمعضلة المزمنة المتمثلة في تسييس وتجيير مؤسسات
الجيش والأمن الوطني في لعبة استغلال واحتكار العنف العمومي كوسيلة للوصول
إلي السلطة والتمسك بها تحت أي ذريعة؟
- وهل ستوضع ضوابط موضوعية
وميكانيزمات فعالة للتعاطي مع المؤسسات العسكرية والأمنية باعتبارها
مؤسسات جمهورية لها ما لها وعليها ما عليها بموجب القانون ولا يمكن أن
تكون- بأي حال من الأحوال- فوق الجمهورية و/أو في مواجهة معها؟
- هل
سيتم التمكن من إعادة صياغة مفهوم ومهام الأمن العام وممارسته فنيا ومهنيا
وأخلاقيا حسب مقتضيات دولة القانون، ليس باعتباره مسؤولية الحكومة
وأجهزتها المختصة فحسب، بل باعتباره يمثل جوهر رعاية المصالح العمومية بما
يضمن صيانة السلم الاجتماعي للجميع أي لمكونات الدولة الموريتانية ذاتها؟
3 سيناريوهات ممكنة
حسب
المؤشرات الراهنة، يمكن تمييز ثلاثة سيناريوهات ممكنة للتطورات السياسية
لما بعد المرحلة الانتقالية في موريتانيا. وتعتمد هذه السيناريوهات كلها
علي معطي رئيسي أساسي ألا وهو مزاج واقتناع وإرادة واستعداد النخب
الموريتانية المختلفة المدنية منها والعسكرية وكذا مدي حساسية وتفاعل
دوائر النفوذ السياسي والاقتصادي والاستخباراتي المؤثرة محليا، إقليميا
ودوليا لإجراء أو لعدم إجراء التغييرات والإصلاحات الضرورية المناسبة
للتعامل مع الموقف الجديد وتداعياته علي مختلف الأصعدة:
ـ سيناريو أول
إما
أن تخرج من المرحلة الانتقالية كل الأطراف التي ستشكل البراديغم paradigme
السياسي الجديد منهكة وقلقة علي المستوي الشخصي والوظيفي، وهو ما سيؤدي
بها إلي الارتماء في أحضان بعض دوائر العسكر من خلال تجديدها - من موقف
ضعف- لأشكال من التعاقد الأدبي الضمني مع بعض أوساط المؤسسة العسكرية
لتأمين حماية واستمرار حكم النظام السياسي الجديد.
وفي هذه الحالة، قد تشهد البلاد جملة من التغييرات يمكن التماس ملامحها الأساسية كالآتي:
-
تعاظم غير محدود للأدوار السياسية والأمنية لبعض الضباط العسكريين، خصوصا
منهم المشاركين الرئيسيين في الحكم أثناء المرحلة الانتقالية.
- إعادة
تمحور الحياة السياسية حول العسكر من خلال إحياء الخلايا العسكرية النائمة
للتنظيمات السياسية والعشائرية والعرقية الموجودة داخل الجيش والعودة بكل
الفرقاء إلي التنافس علي أمور الحكم وتوزيع الثروة في موريتانيا عبر
مؤسساته.
- دخول ضباط عسكريين إلي الحكومة المدنية لاستلام حقائب وزارية محورية مثل الدفاع والداخلية، الخ...
- تراجع وتهميش أدوار الحكومة والهيئات المدنية الرسمية مثل البرلمان بغرفتيه والمجالس البلدية المنتخبة.
-
تقهقر الديمقراطية الهشة وتراجع الأدوار المدنية ـ المحدودة أصلا ـ
للتنظيمات المدنية الأهلية مثل الأحزاب السياسية والنقابات والصحف
المستقلة والمنظمات غير الحكومية إلخ.
- إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية
الموجودة واستحداث أجهزة جديدة للقيادة والتحكم تهيمن عليها القوي
المتنفذة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية.
تابع
هل ستدخل نواكشوط عصر دولة القانون التي يتوفر فيها حد من الحرية والتعددية الحزبية والمدنية؟
محمد السالك ولد إبراهيم:
في ذكري لحظات سعيدة..
تجري الاستعدادات هذه الأيام لوضع اللمسات الأخيرة علي الدولة الموريتانية
الجديدة ذات المؤسسات الدستورية اللائقة والتي كرستها إرادة الشعب
الموريتاني صاحب الحق. وستبرز الجمهورية الجديدة للناظرين في ثوبها القشيب
بين الحين والآخر. والرجل الذي أراد لها أن تكون كذلك وضحي في سبيلها بما
لديه ووهب لها سيفه ودرعه وترسه، سيبرز إلي جانبها في ثوبه القشيب هو
الآخر.. وسيحضر الأصدقاء والأقارب والمتطفلون والناس جميعا باستثناء
الجيران... لكن غيابهم لن يغض من جلالة المشهد ولا من سحر تلك اللحظات:
فسيري الراؤون موريتانيا الجديدة وهي تدوس النجوم بأخمصيها.
لحظات فريدة بالتأكيد.
ثم، يصحوا الناس وتستعيد الحياة اليومية تعاستها المعتادة...
وتبلي الحلل وهي جديدة.. إلا أن الحضور سيذكرون دوما أنهم عاشوا تلك اللحظات.
أما
الجمهورية الجديدة فسيبقي لها دائما أن تذكر الرجل الذي اختارها لنفسه -
إذا هو نسي- بأنه مخير بين أمرين في معاملتها: إمساك بمعروف أو تسريح
بإحسان .
( لحظات سعيدة هي افتتاحية صحيفة البيان الموريتانية/ عدد 11، من 16 إلي 26 نيسان ـ ابريل 1992).
بين الليلة و.. البارحة
علي
وقع رسائل التهاني والتبريكات من كل أرجاء العالم لكل من الرئيسين
الموريتانيين الجديد المنتخب وكذا الآخر المنتهية ولايته، تغمر
الموريتانيين هذه الأيام مشاعر فياضة تمتزج فيها نشوة الانتصار والنجاح
إلي جانب التعقل وكظم الغيظ والتأني والتحلي بالبراغماتية والانشغال
بحسابات الربح والخسارة وتخمين المحاصصات بالنسبة لجميع الأطراف التي
شاركت في اللعبة.
والكل مستسلم لدغدغة الإطراءات العربية والدولية
المشيدة بنجاح المسلسل الانتقالي نحو الديمقراطية في موريتانيا، والتغني
بتفرد تجربة هذا البلد وأهمية استخلاص أسرار الدرس الديمقراطي من عند
أهله، بينما تبدو أغلبية النخب العربية وكأنها تكتشف للتو لحظة شاردة لـ
تجليات الديمقراطية الموريتانية بالرغم من أن عمر هذه التجربة يربو الآن
علي 16 سنة منذ وضع أول دستور تعددي عرفته البلاد سنة 1991.. يتم كل هذا
وموريتانيا ـ التي تقف مجددا علي مفترق طرق حاسم ـ حيث اكدت موعدا آخر مع
التاريخ. عندما جري تنصيب الرئيس المنتخب واستلامه لمقاليد السلطة يوم امس
19 ابريل (نيسان) 2007 من طرف المجلس العسكري للديمقراطية والعدالة الذي
قاد المسلسل الانتقالي منذ 3 اب (اغسطس) 2005. ويبدو أن مشهد تنصيب رئيس
الجمهورية قد تكرر للمرة الثانية في تاريخ هذا البلد، بعد أن تم تنصيب أول
رئيس منتخب ـ قبل خمس عشرة سنة ـ في 18 ابريل (نيسان) سنة 1992!
فما
الذي ستحمله مراسم امس وما حدث قبل اكثر من عقد كما خلدتها لنا افتتاحية
صحيفة البيان؟ وهل من جديد حقا؟ أم أن لسان حال الديمقراطية الموريتانية
يقول: كل مرحلة انتقالية وانتم بخير وكل تنصيب وأنتم بخير؟
وإذا كانت
كل محاولة لتقييم المرحلة الانتقالية ـ بما لها وما عليها ـ تعد من السابق
لأوانه وغير مواتية من الناحية المنهجية، فإن واجب التساؤل المتيقظ عن ما
بعد المرحلة الانتقالية يظل واردا، بعيدا عن أجواء التحمس المشروع ومواقف
التفاؤل والتشاؤم التي تتنازع الرأي العام هذه الأيام .
فهل ستنجح
موريتانيا ما بعد المرحلة الانتقالية في التصالح مع ذاتها قصد وضع تصور
مبدع لتشكيل نظام سياسي أو براديغم paradigmeجديد مغاير وقادر علي
الاضطلاع بالمهام المرحلية الجسيمة؟ وما هي أهم ملامح ومقومات وخريطة هذا
النظام السياسي الجديد، وما هي معالم وسيناريوهات التغييرات والإصلاحات
التي تمليها المرحلة وما أجندتها الزمنية الممكنة؟
ادوار القوي الموريتانية في الداخل والخارج
ماذا
عن أدوار مختلف الفاعلين السياسيين داخل الساحة الموريتانية وخارجها؟ ماذا
عن المعطيات الإقليمية والدولية؟ وهل توجد إرادة صادقة وجدية لدي مختلف
فرقاء المشهد السياسي الموريتاني للتأمل والتفكير والإصلاح؟ وهل ستتاح لهم
الظروف الملائمة لذلك ؟ وكيف سيكون المستقبل السياسي لموريتانيا؟ وما هي
التطورات المحتملة والآفاق المنظورة لمرحلة ما بعد المسلسل الانتقالي ؟ هل
نضجت الظروف الموضوعية لإقامة الجمهورية الثالثة في موريتانيا؟ أم أن مناخ
الصحراء وتقلباته المفاجئة سيبقي سيد الموقف؟
من وجهة نظر تحليل
استراتيجي بارد لخلفية المسلسل الديمقراطي الانتقالي والاستحقاقات
الانتخابية ( البلدية، البرلمانية والرئاسية) التي تمخضت عنه، وتداعياتها
المختلفة، تظهر جملة من المعطيات البنيوية المهمة التي تشكل الإجابة عليها
محددات أساسية لبلورة طبيعة واتجاهات تطور الأحداث الراهنة وآفاقها
المستقبلية داخل الساحة الموريتانية.
هل انقلاب 3 آب (اغسطس) الناجح
الذي ـ بالرغم من كل شيء ـ قد أطاح برئيس جمهورية منتخب ومنصب، سيكون مجرد
ضجة قامت وانتهت بسلام من خلال تسليم السلطة لرئيس آخر منتخب ومنصب علي
مرأي من طوابير المراقبين الدوليين والمحليين ؟ وما هي الضمانات الضرورية
لاستقرار موازين الحكم في البلد والخروج به نهائيا من الحلقة المفرغة
للديمقراطيات الانتقالية بشهود أو من دون شهود؟ أم أن ذلك الانقلاب سيشكل
نهاية فعلية لفترة الاستقرار السياسي النسبي التي عرفتها موريتانيا منذ
آخر انقلاب عسكري سنة 1984؟ وعلي ضوء ذلك ما هي طبيعة وحجم المخاطر التي
تتهدد البلاد في المستقبل المنظور:
- هل هي مشاكل أمنية وعسكرية: دوامة انقلابات، انفلات أمني داخلي، انفراط عقد الوحدة الوطنية، انتشار العنف المسلح؟ الإرهاب؟
-
هل هي مشاكل سياسية وتواصلية: أزمات ثقة، تعرقل المسار الديمقراطي، انحسار
المشاركة، العجز التواصلي، الاحتقان السياسي، الصراع علي السلطة، الحرب
الأهلية؟
- هل هي مشاكل اجتماعية واقتصادية: تعثر خطة الإصلاحات
الاقتصادية، فشل برامج مكافحة الفقر، تخلف الغطاء الصحي والضمان
الاجتماعي، اتساع دائرة التهميش، استفحال البطالة، تراكم الإحباط والتوتر،
تنامي الاضطرابات المجتمعية؟
- هل هي مشاكل بيئية ومناخية: كوارث طبيعية كارتفاع المد البحري واشتداد الجفاف والتصحر وانتشار التلوث البيئي ؟
-
هل هي مشاكل جيوبوليتيكية ودبلوماسية: نزاعات حدودية مع بعض دول الجوار،
خلافات وأزمات دبلوماسية إقليمية، اختلالات في قراءة موازين القوي
الدولية، أخطاء في السياسة الخارجية، عزلة دبلوماسية؟
رهانات المرحلة
بعد
اكتمال المسلسل الانتقالي، بإمكان المراقبين التساؤل عن ماذا بعد؟ وما هي
رهانات المرحلة القادمة؟ وكيف سيكون المستقبل السياسي لموريتانيا الجديدة
؟ وما هي التطورات المحتملة والآفاق المنظورة لما بعد المسلسل الانتقالي؟
وهل سيتعزز السعي نحو إقامة الجمهورية الثالثة ؟ وما هي الشروط
والمستلزمات الضرورية لذلك التحول الكبير؟
- هل ستتم إعادة تأهيل
وتفعيل الطبيعة الجمهورية لنظام الحكم السياسي في البلد بما يقيم دعائم
ثابتة لتأسيس الجمهورية الثالثة ويمكنها من الاضطلاع بجدية وكفاءة بكامل
مهامها ومسؤولياتها داخليا وخارجيا علي أساس من الحكمة والانفتاح وحسن
تقدير الأمور واحترام القوانين والنظم والمؤسسات الجمهورية في عملية تفاعل
وتكامل وتطور واع ومسؤول لخدمة مصالح الشعب الموريتاني أولا وقبل كل شيء؟
-
هل سيتم بناء جسور حقيقية وجادة للحوار الديمقراطي بين ومع مختلف الفاعلين
السياسيين الوطنيين في الساحة وخارجها وتبني مبادرة إعادة بناء خطاب سياسي
وطني عصري يتعالي علي الثنائية الكلاسيكية لـ السلطة والمعارضة ويقوم علي
أسس جديدة وجدية تتركز حول قضايا: (أ) مصلحة و(ب) أمن و(ج) استقرار و(د)
تنمية الجمهورية الإسلامية الموريتانية؟
- هل ستحسم - نهائيا وحصريا-
إشكالية شرعية الوصول إلي السلطة وتداولها لصالح التغيير الديمقراطي
التعددي والسلمي - بعيدا عن كل أشكال العنف كخيار بديل- مع تبني ميثاق شرف
جمهوري لنبذ وتجريم أي شكل آخر مغاير؟
- هل ستقلع موريتانيا فعليا نحو
نموذج دولة القانون مع تطوير آليات ديمقراطية توفر- علي الدوام- حدا
مناسبا من الحرية والتعددية الحزبية والمدنية والإعلامية بما يحسم نهائيا
موضوع التغيير السياسي لصالح الخيار الديمقراطي المدني ذي الطابع السلمي
وبما يضمن استتباب السلم الاجتماعي ويحقق التنمية الشاملة والمتوازنة؟
-
هل سيتم إيجاد حل جذري للمعضلة المزمنة المتمثلة في تسييس وتجيير مؤسسات
الجيش والأمن الوطني في لعبة استغلال واحتكار العنف العمومي كوسيلة للوصول
إلي السلطة والتمسك بها تحت أي ذريعة؟
- وهل ستوضع ضوابط موضوعية
وميكانيزمات فعالة للتعاطي مع المؤسسات العسكرية والأمنية باعتبارها
مؤسسات جمهورية لها ما لها وعليها ما عليها بموجب القانون ولا يمكن أن
تكون- بأي حال من الأحوال- فوق الجمهورية و/أو في مواجهة معها؟
- هل
سيتم التمكن من إعادة صياغة مفهوم ومهام الأمن العام وممارسته فنيا ومهنيا
وأخلاقيا حسب مقتضيات دولة القانون، ليس باعتباره مسؤولية الحكومة
وأجهزتها المختصة فحسب، بل باعتباره يمثل جوهر رعاية المصالح العمومية بما
يضمن صيانة السلم الاجتماعي للجميع أي لمكونات الدولة الموريتانية ذاتها؟
3 سيناريوهات ممكنة
حسب
المؤشرات الراهنة، يمكن تمييز ثلاثة سيناريوهات ممكنة للتطورات السياسية
لما بعد المرحلة الانتقالية في موريتانيا. وتعتمد هذه السيناريوهات كلها
علي معطي رئيسي أساسي ألا وهو مزاج واقتناع وإرادة واستعداد النخب
الموريتانية المختلفة المدنية منها والعسكرية وكذا مدي حساسية وتفاعل
دوائر النفوذ السياسي والاقتصادي والاستخباراتي المؤثرة محليا، إقليميا
ودوليا لإجراء أو لعدم إجراء التغييرات والإصلاحات الضرورية المناسبة
للتعامل مع الموقف الجديد وتداعياته علي مختلف الأصعدة:
ـ سيناريو أول
إما
أن تخرج من المرحلة الانتقالية كل الأطراف التي ستشكل البراديغم paradigme
السياسي الجديد منهكة وقلقة علي المستوي الشخصي والوظيفي، وهو ما سيؤدي
بها إلي الارتماء في أحضان بعض دوائر العسكر من خلال تجديدها - من موقف
ضعف- لأشكال من التعاقد الأدبي الضمني مع بعض أوساط المؤسسة العسكرية
لتأمين حماية واستمرار حكم النظام السياسي الجديد.
وفي هذه الحالة، قد تشهد البلاد جملة من التغييرات يمكن التماس ملامحها الأساسية كالآتي:
-
تعاظم غير محدود للأدوار السياسية والأمنية لبعض الضباط العسكريين، خصوصا
منهم المشاركين الرئيسيين في الحكم أثناء المرحلة الانتقالية.
- إعادة
تمحور الحياة السياسية حول العسكر من خلال إحياء الخلايا العسكرية النائمة
للتنظيمات السياسية والعشائرية والعرقية الموجودة داخل الجيش والعودة بكل
الفرقاء إلي التنافس علي أمور الحكم وتوزيع الثروة في موريتانيا عبر
مؤسساته.
- دخول ضباط عسكريين إلي الحكومة المدنية لاستلام حقائب وزارية محورية مثل الدفاع والداخلية، الخ...
- تراجع وتهميش أدوار الحكومة والهيئات المدنية الرسمية مثل البرلمان بغرفتيه والمجالس البلدية المنتخبة.
-
تقهقر الديمقراطية الهشة وتراجع الأدوار المدنية ـ المحدودة أصلا ـ
للتنظيمات المدنية الأهلية مثل الأحزاب السياسية والنقابات والصحف
المستقلة والمنظمات غير الحكومية إلخ.
- إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية
الموجودة واستحداث أجهزة جديدة للقيادة والتحكم تهيمن عليها القوي
المتنفذة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية.
تابع