سجناء //التفكير// و//النية//
بين جدر السجن المدني يقبع نفر من ضحيا القمع السياسي والفكري، منهم المحدث الحافظة، والإمام الورع، ومنهم دون ذلك، ألقي بهم جميعا في غيابات السجن بتهم يتيمة، كل أدلتها افتراضية وجل محاضرها إكراهية، فمنهم المتهم بأنه كان //يفكر//، ومنهم من اتهم بأنه كان //ينوى//، لكنهم جميعا //سجناء تفكير ونوايا//، في زمن الحرية والعدالة والديمقراطية.ورغم رحيل من //حارب الفكر والنوايا//، فإن سجناء //النية// و//التفكير// مازالوا مسلوبي الحرية، بين أربعة جدر صم، لا تلوح في الأفق غيمة غيث ولا بارقة أمل، وإن كانوا ممن اعتادوا ألا يظنون بالله ظن السوء، ولو اقتحم الأحزاب الخندق، وبلغت القلوب الحناجر. وبين جدر هذا السجن ترتسم لوحة صادقة عن الدنيا بقبضها وقضيضها، خيرها وشرها، حلوها ومرها، عاليها وسافلها، ساقطها ومرفوعها، فتهجد وضجيج البكائين في جوف الليل تميد له السماء وتئط الأرض، وبالجوار وعلى مقربة من زنازن الأئمة والعلماء، عصابات القتلة واللصوص والمجرمين، يسكرون ويتسامرون في أحاديث السطو والاغتصاب والقتل والمخدرات، يزارون متى شاءوا وكيف شاءوا وممن شاءوا. و في ذات السجن يجري تصوير الفاحشة والشذوذ، فتدخل المومسات والبغايا لأخذ أدوارهن في أفلام الإباحة والخلاعة دون رقيب أو حسيب، وحين ينكشف الأمر لا يسحق منا عشر العشر، من إرعادنا وإبراقنا حينما قال لنا الأفاقون من //المسيلميين// و//السجاحيين// إن في قومنا إرهابيون //يفكرون وينوون//. وفي نفس الوقت يحظر على محصنات الحرائر زيارة الأزواج والإخوة والأبناء إلا بإذن عسير، ولوقت يسير، وتحت عين وسمع الرقيب. ولإن كان النظام السابق ألقى بهم في قعر مظلمة، للتحقيق معهم في ما يتهمهم به، فإنهم اليوم باتوا رهن المحبسين (حرس السجن يمنعهم تجاوز عتباته، والنيابة تسجن ملفهم في أدراجها)، فهم كالمعلقة لا هي سرحت بإحسان أوطلقت بسوء، ولا هي عادت لبيت الزوجية. أما المحامون - وما أدراك ما المحامون - الذين ملئوا الدنيا جعجعة أيام النظام السابق – وحسنا فعلوا – ورفضوا أن يسكتوا له عن مظلمة واحدة، أو يتجاوزا له صغيرة ولا كبيرة إلا أحصوها وأقاموا الدنيا لها ولم يقعدوها، واطلعوا العالم عليها في مؤتمرات صحفية كادت أن تكون يومية، فإنهم اليوم حين أتت النيابة بدعا مما أسموه - أيام الفراعنة – تجاوزات العدالة واستغلالها لأغراض سياسية، فاحتجزت الملف عنوة في أدراجها، والمتهمين قسرا في سجونها، وطردت ذويهم عن بوابتها، وأعرضت صفحا عن الخوض في موضعهم، وكأن الملف بات بين دفتي الماضي، و//قضي// الأمر الذي فيه تستفتيان، كان الرد من //الأساتذة// باهتا وخجولا ومبتورا، مجرد نقطة صحفية للحظات وانتهت، كرس معظمها لتمجيد إنجازات العهد الجديد، وتبخيس البائد أشياءه وأفعاله، ولا أحد يتحدث بعد ذلك عن مسلوبي الحرية من سجناء الرأي. فكأنما أخطاء //زيد// تزن الجبال بشاعة وفظاعة، وأخطاء //عمرو// مما كتب في سابق الأزل أنه غفر له من متأخر الذنوب.