حوار -
حسام تمام
أحد
الأسئلة التي تطرح نفسها في ضوء التجربة السياسية الموريتانية، التي نقلت
البلاد إلى طريق الديمقراطية بعد تعدد الانقلابات العسكرية، هل تسير
الحركة الإسلامية الموريتانية في نفس الطريق الذي سارت عليه نظيراتها في
الدول العربية أم أنها ستختار طريقا آخر، أي هل يمكن أن "تختطف" الحركة
الإسلامية سياسيا وتبتعد تدريجيا عن مشروعها الإصلاحي الأوسع من السياسة؟.
أثارت شبكة إسلام أون لاين.نت هذه القضية في
مقابلة مع السيد/ الشيخان ولد إبراهيم ولد بيب، القيادي البارز في حركة
الإصلاحيين الوسطيين (تيار الإخوان المسلمين) التي خاضت الانتخابات
البلدية والبرلمانية وشاركت في دعم مرشح للرئاسة -صالح ولد حننا ثم أحمد
ولد داده- وكان لها تأثير بالغ في تلك الانتخابات.
والشيخان ولد بيب هو أحد أبرز رموز العمل
الثقافي الإسلامي، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي قبل أن يغادر البلاد في
منحة خارجية عاد منها ليلتحق بصفوف التيار الإسلامى حيث عمل ناشطا في
العمل الثقافي والطلابي مطلع الثمانينيات قبل أن يتولى إدارة جمعية الحكمة
للأصالة والتراث الإسلامي (الواجهة الثقافية للحركة الإسلامية في
موريتانيا)، واستمر في إدارتها 4 سنوات قبل اعتقاله عام 2003 مع عدد من
رموز الحركة، وإصدار السلطات الأمنية قرارا بإغلاق الجمعية في مايو 2003،
وقد انتخب الشيخان في ديسمبر الماضي 2006 عمدة لبلدية دار النعيم بالعاصمة
نواكشوط، ويعتبر الآن أحد أبرز القادة السياسيين للتيار الإسلامي
الموريتاني.
وفيما يلي نص الحوار:
بعد مشاركتكم
الفاعلة فيما شهدته الساحة السياسية في الآونة الأخيرة، يقول البعض إن
السياسة ربما اختطفت الحركة الإسلامية الموريتانية في لعبتها.. ما رأيكم؟.
نشأ التيار الإسلامي منذ عام 1975، وأي حركة
سياسية تجاوزت عقدها الثالث تكون بحاجة إلى دخول ميادين جديدة، صحيح أننا
سنضحي بالكثير من الأفق الحركي وأننا سنواجه الكثير من العقبات، لكن
الطريق شاق والتصدر للشأن العام لا بد له من ضريبة.
وعلى الرغم من أن الحركة الإسلامية هي حركة
دعوية وثقافية وفكرية واجتماعية بالأساس فإنها أيضا ينبغي أن تكون لها
رسالة أخرى، ونحن نرى أننا معنيون بتغيير أوضاع الناس السياسية والمعيشية
ومعنيون بمسألة الحريات العامة في البلد، وكلها أمور تتطلب من الحركة دخول
المجال السياسي والمنافسة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
أما المجالات الأخرى فقد يظهر بعض التراجع
فيها، لكن الأمر لا يعود إلى عدم التفكير فيها أو إلى عجز في كوادرها
البشرية بل لأن المجتمع الموريتاني كله –وهي جزء منه- مشغول هذه الفترة
بالعمل السياسي وغير مستعد لغيره، ولكن بعد الانتخابات أيضا يعود المجتمع
لطبيعته وتعود مجالات الحركة الأخرى للنشاط والحيوية.
ولكن ألا يخشى مثلا من أن توظف حصيلة الأعمال الثقافية والدعوية لصالح السياسة فقط؟.
يمارس الإصلاحيون الوسطيون العمل السياسي
وهم يدركون أنه الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الأعمال الأخرى داخل الشعب
الموريتانى بعدما تسبب غيابهم عن العمل السياسي في استغلال القطيعة مع
السلطة تحريضا وتوجيها لمضايقة الدعوة وأهل الدعوة ومضايقة المساجد
واعتقال العلماء.
ونحن لا نؤمن أن السياسية مناقضة لهذه
الأعمال بل مكملة لها، ونعتقد أنه حان الوقت لنعطي بديلا في المجال
السياسي يوازي الأعمال الأخرى التى نقوم بها في المجتمع، دعوة أو عملا
خيريا، تكميلا وحفظا للموجود وتعزيزا له في حياة الناس.
لديكم تنوع
في الحالة الإسلامية بين تصوف طرقي وسلفية ومؤسسات دينية تقليدية، كيف
تنظرون إلى هذه المدارس المختلفة، وكيف تديرون العلاقة مع مجمل الأطراف
الإسلامية؟.
هذه الإشكالات مطروحة لكافة الحركات
الإسلامية في العالم وليس في موريتانيا فحسب، على الرغم من بروز بعض
الإشكالات السياسية في الفترة الماضية من تاريخ البلاد، صحيح أننا كنا في
فترة من الفترات نرى في التدين التقليدي عدوا للصحوة الإسلامية، لكن الأمر
زال بعد أن تطور التفكير ومعرفة الإسلاميين لدور الفقه المذهبي ومكانته في
التشريع الإسلامي وأهميته في العمل الإسلامي، وعرف الآخرون أن أصول الدين
أولى وأهم.. وكادت تقع مشادَّات ومشاكل مع "المتصوفة" لكن توصلنا إلى شبه
حلول -دون مؤتمرات طبعا ولا حوارات- فقد فهم الجميع أن المعركة ليست بين
مدارس التيار الإسلامي المتنوعة، بل بينها وبين المدارس الأخرى التي تسعى
لتغريب المجتمع ولفرنسته وإخراجه عن أصوله وثوابته لهذا الهدف أو ذاك، وقد
صار الجميع يدرك الآن أن الظاهرة الإسلامية ينبغى أن ترشد وتسير في اتجاه
واحد بما في ذلك المتوصفة.
أما السلفية فقد جاءت متأخرة ولامعركة بيننا وبينها على الرغم من ردودنا
على بعض أفكارها في المساجد والدروس والمحاضرات المختلفة، ولعل وقوف علماء
موريتانيا إلى جانبنا كان حاسما للأمر، ونحن كغيرنا من أبناء المجتمع
الموريتاني سلفيون من حيث العقيدة، لكننا لسنا متطرفين ولا نخلط الفقه
بالعقيدة ومنهجنا هو منهج العلماء من أمثال الشيخ محمد سالم ولد عدود
وبداه ولد البصيري والشيخ محمد الحسن ولد الددو.
في ضوء هذه
التعددية وعدم وجود توترات بين الحركات المختلفة، ما هو الدور الذي يمكن
أن تقومون به في بلد له خصوصية في التدين وفي التمسك به؟.
موريتانيا بلد نشأت فيه الحضارة -بالمفهوم
المدني- قريبا، أي قبل أربعة عقود، ومع البدايات الأولى للدولة
الموريتانية ظهرت الصحوة الإسلامية في شكلها الجديد، فجاءت الحركة
الإسلامية - كما في رأي الكثير من العلماء وعامة الشعب الموريتاني- في
صورة الطبعة المدنية للمؤسسة الدينية في البلاد.
وما كان موجودا في البلاد من دعوة دينية هو
الطبعة التقليدية التي تتناسب مع البادية، ولذلك كل من تمدن وجد الصحوة
الإسلامية أمامه في المد؛ وبالتالي لا توجد عندنا مشكلة لأن هنالك تفاهما
على أن التيار الإسلامي جاء ليأخذ الدور في حياة المتمدنين الجدد.
كما أن الطرح الإسلامي الوسطى (الإخوان
المسلمين) جاء في فترة لا وجود فيها لأي حركة سياسية أو اجتماعية تدعو
للتدين مما أعطاها محلا متقدما في نفوس الموريتانيين.
ويضاف لذلك أننا نتعايش مع كل التنوعات
الإسلامية ونشجع منها ما يحتكم للحوار والنقاش والتفكير السليم، أما غير
ذلك فهو مرفوض لأننا نحترم الاختلاف في الآراء وفق الشروط السابقة من رفض
للتكفير والتبديع ومحاكمة النيات، ونعتقد أن الساحة قادرة على السير في
هذه الاتجاه مادام هناك حضور وتقدير للعلماء بوسطيتهم واعتدالهم المعروف.
لكن هل يمكن
الحديث عن حركة إسلامية قوية في بلد تقليدي متجانس دينيا فلا وجود لأديان
أخرى أو حتى فرق ومذاهب، وبين شعب متدين ودولة هشة بسيطة غير طاغية على
المجتمع؟.
نحن في موريتانيا نشهد تعددية عرقية، فقد
عمل الاستعمار على إيجاد هوة كبيرة بين العرب والزنوج من خلال التحريض
المتبادل وإحراق مكتبات الزنوج بغية إبعاد الأفارقة عن الإسلام وإظهار
العرب على أنهم مستعمرين جدد للبلاد، بالإضافة إلى التحديات الأخرى التي
جاء بها المستعمر، ونعتبر هذا خطيرا على وحدة وانسجام المجتمع فكريا
وثقافيا وسياسيا، كما أن مدارس الاستعمار بحد ذاتها شكلت تحديا كبيرا
لهوية البلد من خلال تغيير نمط التعليم الأصلي، وهذا فقط أحد نماذج
التحديات التي تواجهها الحركة.
كما أن هنالك طرحا جديدا على المجتمع
الموريتاني وهو تقديم الدين على أساس أنه قائد للمجتمع والدولة وخصوصا في
مجتمع كان يعيش البداوة قبل التحضر قضاء وقدرا. فنحن كنا قبل عام 1960
مجموعة من سكان الريف نهرب من الدولة لأننا غير معنيين بها اقتصاديا نعيش
على ما تنتجه الماشية من لحم ولبن وبيع بعضها لتوفير بقية المستلزمات، ولا
نريد تعليمها لأننا نخاف على دين أبنائنا ولا نريد نظامها؛ لأنه تقييد
لحرية جبلنا عليها قبل أن يضرب الجفاف البلاد في السبعينيات حيث اضطر
المجتمع إلى التحضر بعد نفوق الماشية والزرع. وبدأ ارتباطنا بالدولة
اضطرارا نتيجة الجفاف وكل القادمين الجدد إلى الدولة الحديثة لم تكن لديهم
مشاريع سياسية ذات مرجعية دينية وبالتالي الرسالة الإسلامية هنا كبيرة جدا.
الحفاظ على هوية البلد وصيانة المؤسسات
الدينية وتطوير الفعل السياسي الإسلامي في البلاد وتعزيز الوحدة الوطنية
على أسس قويمة، كلها رسائل نحملها للمجتمع الموريتاني.
البعض يأخذ عليكم عدم تمكنكم من إنجاز تقدم ملموس على الأرض في هذه الملفات مثلما هو الحال في قضية الزنوج أو قضية الرق؟.
فعلا مسألة الزنوج أدت لأحداث خطيرة أثرت
بشكل كبير على الحركة وأفقدتها عددا من رموزها وخصوصا الشيخ عبد العزيز سي
وبون عمر لى وغيرهم من قادة الحركة من أصل زنجي. لقد أحدثت مواجهات عامي
1989 و 1991 تأثيرات سلبية وأبعدت الهوة ليس بين الإسلاميين والزنوج ولكن
بين الزنوج والبيضان (سكان البلاد من العرب) بعد تحميل البعض للزنوج ذنوبا
لم يقترفوها وأحداثا هم منها براء خصوصا ما حدث في السنغال. وبالتالي وجد
الزنوج أنفسهم محرجون حتى من الظهور مع أحد البيض ولو كان إسلاميا لأن
الظلم كان كبيرا عليهم في تلك الفترة السياسية.
لكن بوجه عام، هناك تطور في الحركة
(الإصلاحيين الوسطيين) تجاه الزنوج. ونحن قد رشحنا عددا منهم في
الانتخابات وقد فازت الأخت "ياي أنضو كولي بالي" بمنصب عمدة أكبر مقاطعة
في البلاد عن الإصلاحيين الوسطيين.
أما مسالة الرق فالموقف منها واضح جدا لدى
الإسلاميين الموريتانيين، فنحن عارضناه مطلع تأسيس الدولة الموريتانية
وضغطنا من أجل إلغائه وشجعنا كل الخطوات التى اتخذت في سبيل ذلك، صحيح
أننا كنا بعيدين عن السلطة ولم نجد فرصة لتطبيق ذلك على الأرض، لكن الرؤية
واضحة والعلاقة مع الأطراف الأخرى المعنية بالقضايا جيدة بل ممتازة.
هل هنالك اشتباك بين الحركة والمقولات الدينية التي يؤسس عليها البعض لبقاء الرق؟.
نعم. لا يوجد لدينا إشكال في هذا الموضوع
لأن أصل الرق في موريتانيا غير واضح، فلا جهاد في البلاد ولا معاملة
بالمثل بين المسلمين وغيرهم، زد على ذلك أن الشرع كان واضحا في الموقف منه
والترغيب في تجاوزه والتخلص من بقاياه، وبالتالي الإشكالية الشرعية غير
موجودة على مستوى أطروحاتنا الحركية ولا يوجد إشكال في هذا الموضوع على
الإطلاق إلا في الأوساط الدينية التقليدية.
يرى البعض أن الإخوة الزنوج يميلون إلى نسق حركي معين، كيف ترونه؟.
نحن نستفيد من الجميع، فالإخوة في السنغال
ومالي وغانا يختلفون في الأشكال، لكن لديهم وجود في أجواء صعبة ومعقدة..
هنالك جماعة المريدين في السنغال والتيجانية، وهي جماعات قوية جدا وحاضرة
في الحياة السياسية السنغالية ورغم ذلك استطاعت جماعة عباد الرحمن التي
تمثل تيارنا خط طريق مستقل لهم وأخذ مكانة في الخريطة الدينية في البلاد.
كما أن نمط الأجواء السياسية في البلاد له
دور في فهم الحركات وطبيعة تشكلها وعملها داخل الميدان؛ وبالتالي طبيعي
جدا أن تختلف أشكال العمل بين الأفارقة والعرب؛ ففي البلدان الإفريقية
تكتب ما تشاء وتقول ما تشاء وتفعل عادة ما تشاء، وبالتالي تختلف البنية
الهيكلية للحركات الإسلامية من بلد لآخر والاهتمامات السياسية لها وفقا
للأجواء السائدة.
أنتم جزء من
الحركة الإخوانية، كيف تديرون العلاقة مع الإخوان وغيرها من الحركات
الإسلامية خارج البلاد خاصة في البلاد الإفريقية المجاورة لكم التي يرى
البعض أنكم قصرتم فيها لمصلحة العلاقة مع نظيراتها العربية؟.
لدينا علاقات طبيعة مع الجميع، لكن مادامت
علاقات فللطرف الآخر دور لازم فيها من حيث الاستعداد والقدرة على التطوير
والتبادل، لدينا علاقة مع الإخوة في السنغال وجامبيا وغيرها من الدول
الإسلامية الإفريقية وهو أمر طبيعي بحثا عن التجارب والتكامل والتعاون من
أجل مصالح البلدان المشتركة والمصالح المشتركة.
كيف ترون العلاقة بالمحيطين العربي والإفريقي التي مازالت تمثل أزمة في الوضع الموريتاني؟ وماذا عن قضية العلاقة مع إسرائيل؟.
هذه من الإشكالات الكبيرة؛ فقد اتضح بشكل لا
يقبل التأويل أن الغرب يركز على نقاط التماس دائما بين العرب وغيرهم
للتفرقة بين الجميع وقطع العلاقات الطبيعية جغرافيا ودينيا وسياسيا بينما
غاب العرب عن هذا المضمار.
ونحن نعتقد أن كل هذه الامتدادات عامل
إثراء، ونعتبر أنفسنا امتدادا للأفارقة في العالم العربي، وامتدادا
للطوارق في العالم العربي، وامتدادا طبيعيا للدول العربية إلى جيرانها
الأفارقة الزنوج، بحكم الموقع والدور التاريخى.
أما العلاقة مع "إسرائيل" فهو أمر غريب في
مجتمع كان يتصدق بلعن إلى هود كما نظر لذلك فقهاؤه ومربوه طيلة العقود
الماضية، والسبب هو غياب الوعي السياسي وضعف الأجهزة العربية الرسمية.
*مقابلة مع السيد: الشيخان ولد إبراهيم ولد بيب القيادي البارز بحركة الإصلاحيين الوسطيين (تيار الإخوان المسلمين) الموريتان
حسام تمام
أحد
الأسئلة التي تطرح نفسها في ضوء التجربة السياسية الموريتانية، التي نقلت
البلاد إلى طريق الديمقراطية بعد تعدد الانقلابات العسكرية، هل تسير
الحركة الإسلامية الموريتانية في نفس الطريق الذي سارت عليه نظيراتها في
الدول العربية أم أنها ستختار طريقا آخر، أي هل يمكن أن "تختطف" الحركة
الإسلامية سياسيا وتبتعد تدريجيا عن مشروعها الإصلاحي الأوسع من السياسة؟.
أثارت شبكة إسلام أون لاين.نت هذه القضية في
مقابلة مع السيد/ الشيخان ولد إبراهيم ولد بيب، القيادي البارز في حركة
الإصلاحيين الوسطيين (تيار الإخوان المسلمين) التي خاضت الانتخابات
البلدية والبرلمانية وشاركت في دعم مرشح للرئاسة -صالح ولد حننا ثم أحمد
ولد داده- وكان لها تأثير بالغ في تلك الانتخابات.
والشيخان ولد بيب هو أحد أبرز رموز العمل
الثقافي الإسلامي، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي قبل أن يغادر البلاد في
منحة خارجية عاد منها ليلتحق بصفوف التيار الإسلامى حيث عمل ناشطا في
العمل الثقافي والطلابي مطلع الثمانينيات قبل أن يتولى إدارة جمعية الحكمة
للأصالة والتراث الإسلامي (الواجهة الثقافية للحركة الإسلامية في
موريتانيا)، واستمر في إدارتها 4 سنوات قبل اعتقاله عام 2003 مع عدد من
رموز الحركة، وإصدار السلطات الأمنية قرارا بإغلاق الجمعية في مايو 2003،
وقد انتخب الشيخان في ديسمبر الماضي 2006 عمدة لبلدية دار النعيم بالعاصمة
نواكشوط، ويعتبر الآن أحد أبرز القادة السياسيين للتيار الإسلامي
الموريتاني.
وفيما يلي نص الحوار:
بعد مشاركتكم
الفاعلة فيما شهدته الساحة السياسية في الآونة الأخيرة، يقول البعض إن
السياسة ربما اختطفت الحركة الإسلامية الموريتانية في لعبتها.. ما رأيكم؟.
نشأ التيار الإسلامي منذ عام 1975، وأي حركة
سياسية تجاوزت عقدها الثالث تكون بحاجة إلى دخول ميادين جديدة، صحيح أننا
سنضحي بالكثير من الأفق الحركي وأننا سنواجه الكثير من العقبات، لكن
الطريق شاق والتصدر للشأن العام لا بد له من ضريبة.
وعلى الرغم من أن الحركة الإسلامية هي حركة
دعوية وثقافية وفكرية واجتماعية بالأساس فإنها أيضا ينبغي أن تكون لها
رسالة أخرى، ونحن نرى أننا معنيون بتغيير أوضاع الناس السياسية والمعيشية
ومعنيون بمسألة الحريات العامة في البلد، وكلها أمور تتطلب من الحركة دخول
المجال السياسي والمنافسة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
أما المجالات الأخرى فقد يظهر بعض التراجع
فيها، لكن الأمر لا يعود إلى عدم التفكير فيها أو إلى عجز في كوادرها
البشرية بل لأن المجتمع الموريتاني كله –وهي جزء منه- مشغول هذه الفترة
بالعمل السياسي وغير مستعد لغيره، ولكن بعد الانتخابات أيضا يعود المجتمع
لطبيعته وتعود مجالات الحركة الأخرى للنشاط والحيوية.
ولكن ألا يخشى مثلا من أن توظف حصيلة الأعمال الثقافية والدعوية لصالح السياسة فقط؟.
يمارس الإصلاحيون الوسطيون العمل السياسي
وهم يدركون أنه الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الأعمال الأخرى داخل الشعب
الموريتانى بعدما تسبب غيابهم عن العمل السياسي في استغلال القطيعة مع
السلطة تحريضا وتوجيها لمضايقة الدعوة وأهل الدعوة ومضايقة المساجد
واعتقال العلماء.
ونحن لا نؤمن أن السياسية مناقضة لهذه
الأعمال بل مكملة لها، ونعتقد أنه حان الوقت لنعطي بديلا في المجال
السياسي يوازي الأعمال الأخرى التى نقوم بها في المجتمع، دعوة أو عملا
خيريا، تكميلا وحفظا للموجود وتعزيزا له في حياة الناس.
لديكم تنوع
في الحالة الإسلامية بين تصوف طرقي وسلفية ومؤسسات دينية تقليدية، كيف
تنظرون إلى هذه المدارس المختلفة، وكيف تديرون العلاقة مع مجمل الأطراف
الإسلامية؟.
هذه الإشكالات مطروحة لكافة الحركات
الإسلامية في العالم وليس في موريتانيا فحسب، على الرغم من بروز بعض
الإشكالات السياسية في الفترة الماضية من تاريخ البلاد، صحيح أننا كنا في
فترة من الفترات نرى في التدين التقليدي عدوا للصحوة الإسلامية، لكن الأمر
زال بعد أن تطور التفكير ومعرفة الإسلاميين لدور الفقه المذهبي ومكانته في
التشريع الإسلامي وأهميته في العمل الإسلامي، وعرف الآخرون أن أصول الدين
أولى وأهم.. وكادت تقع مشادَّات ومشاكل مع "المتصوفة" لكن توصلنا إلى شبه
حلول -دون مؤتمرات طبعا ولا حوارات- فقد فهم الجميع أن المعركة ليست بين
مدارس التيار الإسلامي المتنوعة، بل بينها وبين المدارس الأخرى التي تسعى
لتغريب المجتمع ولفرنسته وإخراجه عن أصوله وثوابته لهذا الهدف أو ذاك، وقد
صار الجميع يدرك الآن أن الظاهرة الإسلامية ينبغى أن ترشد وتسير في اتجاه
واحد بما في ذلك المتوصفة.
أما السلفية فقد جاءت متأخرة ولامعركة بيننا وبينها على الرغم من ردودنا
على بعض أفكارها في المساجد والدروس والمحاضرات المختلفة، ولعل وقوف علماء
موريتانيا إلى جانبنا كان حاسما للأمر، ونحن كغيرنا من أبناء المجتمع
الموريتاني سلفيون من حيث العقيدة، لكننا لسنا متطرفين ولا نخلط الفقه
بالعقيدة ومنهجنا هو منهج العلماء من أمثال الشيخ محمد سالم ولد عدود
وبداه ولد البصيري والشيخ محمد الحسن ولد الددو.
في ضوء هذه
التعددية وعدم وجود توترات بين الحركات المختلفة، ما هو الدور الذي يمكن
أن تقومون به في بلد له خصوصية في التدين وفي التمسك به؟.
موريتانيا بلد نشأت فيه الحضارة -بالمفهوم
المدني- قريبا، أي قبل أربعة عقود، ومع البدايات الأولى للدولة
الموريتانية ظهرت الصحوة الإسلامية في شكلها الجديد، فجاءت الحركة
الإسلامية - كما في رأي الكثير من العلماء وعامة الشعب الموريتاني- في
صورة الطبعة المدنية للمؤسسة الدينية في البلاد.
وما كان موجودا في البلاد من دعوة دينية هو
الطبعة التقليدية التي تتناسب مع البادية، ولذلك كل من تمدن وجد الصحوة
الإسلامية أمامه في المد؛ وبالتالي لا توجد عندنا مشكلة لأن هنالك تفاهما
على أن التيار الإسلامي جاء ليأخذ الدور في حياة المتمدنين الجدد.
كما أن الطرح الإسلامي الوسطى (الإخوان
المسلمين) جاء في فترة لا وجود فيها لأي حركة سياسية أو اجتماعية تدعو
للتدين مما أعطاها محلا متقدما في نفوس الموريتانيين.
ويضاف لذلك أننا نتعايش مع كل التنوعات
الإسلامية ونشجع منها ما يحتكم للحوار والنقاش والتفكير السليم، أما غير
ذلك فهو مرفوض لأننا نحترم الاختلاف في الآراء وفق الشروط السابقة من رفض
للتكفير والتبديع ومحاكمة النيات، ونعتقد أن الساحة قادرة على السير في
هذه الاتجاه مادام هناك حضور وتقدير للعلماء بوسطيتهم واعتدالهم المعروف.
لكن هل يمكن
الحديث عن حركة إسلامية قوية في بلد تقليدي متجانس دينيا فلا وجود لأديان
أخرى أو حتى فرق ومذاهب، وبين شعب متدين ودولة هشة بسيطة غير طاغية على
المجتمع؟.
نحن في موريتانيا نشهد تعددية عرقية، فقد
عمل الاستعمار على إيجاد هوة كبيرة بين العرب والزنوج من خلال التحريض
المتبادل وإحراق مكتبات الزنوج بغية إبعاد الأفارقة عن الإسلام وإظهار
العرب على أنهم مستعمرين جدد للبلاد، بالإضافة إلى التحديات الأخرى التي
جاء بها المستعمر، ونعتبر هذا خطيرا على وحدة وانسجام المجتمع فكريا
وثقافيا وسياسيا، كما أن مدارس الاستعمار بحد ذاتها شكلت تحديا كبيرا
لهوية البلد من خلال تغيير نمط التعليم الأصلي، وهذا فقط أحد نماذج
التحديات التي تواجهها الحركة.
كما أن هنالك طرحا جديدا على المجتمع
الموريتاني وهو تقديم الدين على أساس أنه قائد للمجتمع والدولة وخصوصا في
مجتمع كان يعيش البداوة قبل التحضر قضاء وقدرا. فنحن كنا قبل عام 1960
مجموعة من سكان الريف نهرب من الدولة لأننا غير معنيين بها اقتصاديا نعيش
على ما تنتجه الماشية من لحم ولبن وبيع بعضها لتوفير بقية المستلزمات، ولا
نريد تعليمها لأننا نخاف على دين أبنائنا ولا نريد نظامها؛ لأنه تقييد
لحرية جبلنا عليها قبل أن يضرب الجفاف البلاد في السبعينيات حيث اضطر
المجتمع إلى التحضر بعد نفوق الماشية والزرع. وبدأ ارتباطنا بالدولة
اضطرارا نتيجة الجفاف وكل القادمين الجدد إلى الدولة الحديثة لم تكن لديهم
مشاريع سياسية ذات مرجعية دينية وبالتالي الرسالة الإسلامية هنا كبيرة جدا.
الحفاظ على هوية البلد وصيانة المؤسسات
الدينية وتطوير الفعل السياسي الإسلامي في البلاد وتعزيز الوحدة الوطنية
على أسس قويمة، كلها رسائل نحملها للمجتمع الموريتاني.
البعض يأخذ عليكم عدم تمكنكم من إنجاز تقدم ملموس على الأرض في هذه الملفات مثلما هو الحال في قضية الزنوج أو قضية الرق؟.
فعلا مسألة الزنوج أدت لأحداث خطيرة أثرت
بشكل كبير على الحركة وأفقدتها عددا من رموزها وخصوصا الشيخ عبد العزيز سي
وبون عمر لى وغيرهم من قادة الحركة من أصل زنجي. لقد أحدثت مواجهات عامي
1989 و 1991 تأثيرات سلبية وأبعدت الهوة ليس بين الإسلاميين والزنوج ولكن
بين الزنوج والبيضان (سكان البلاد من العرب) بعد تحميل البعض للزنوج ذنوبا
لم يقترفوها وأحداثا هم منها براء خصوصا ما حدث في السنغال. وبالتالي وجد
الزنوج أنفسهم محرجون حتى من الظهور مع أحد البيض ولو كان إسلاميا لأن
الظلم كان كبيرا عليهم في تلك الفترة السياسية.
لكن بوجه عام، هناك تطور في الحركة
(الإصلاحيين الوسطيين) تجاه الزنوج. ونحن قد رشحنا عددا منهم في
الانتخابات وقد فازت الأخت "ياي أنضو كولي بالي" بمنصب عمدة أكبر مقاطعة
في البلاد عن الإصلاحيين الوسطيين.
أما مسالة الرق فالموقف منها واضح جدا لدى
الإسلاميين الموريتانيين، فنحن عارضناه مطلع تأسيس الدولة الموريتانية
وضغطنا من أجل إلغائه وشجعنا كل الخطوات التى اتخذت في سبيل ذلك، صحيح
أننا كنا بعيدين عن السلطة ولم نجد فرصة لتطبيق ذلك على الأرض، لكن الرؤية
واضحة والعلاقة مع الأطراف الأخرى المعنية بالقضايا جيدة بل ممتازة.
هل هنالك اشتباك بين الحركة والمقولات الدينية التي يؤسس عليها البعض لبقاء الرق؟.
نعم. لا يوجد لدينا إشكال في هذا الموضوع
لأن أصل الرق في موريتانيا غير واضح، فلا جهاد في البلاد ولا معاملة
بالمثل بين المسلمين وغيرهم، زد على ذلك أن الشرع كان واضحا في الموقف منه
والترغيب في تجاوزه والتخلص من بقاياه، وبالتالي الإشكالية الشرعية غير
موجودة على مستوى أطروحاتنا الحركية ولا يوجد إشكال في هذا الموضوع على
الإطلاق إلا في الأوساط الدينية التقليدية.
يرى البعض أن الإخوة الزنوج يميلون إلى نسق حركي معين، كيف ترونه؟.
نحن نستفيد من الجميع، فالإخوة في السنغال
ومالي وغانا يختلفون في الأشكال، لكن لديهم وجود في أجواء صعبة ومعقدة..
هنالك جماعة المريدين في السنغال والتيجانية، وهي جماعات قوية جدا وحاضرة
في الحياة السياسية السنغالية ورغم ذلك استطاعت جماعة عباد الرحمن التي
تمثل تيارنا خط طريق مستقل لهم وأخذ مكانة في الخريطة الدينية في البلاد.
كما أن نمط الأجواء السياسية في البلاد له
دور في فهم الحركات وطبيعة تشكلها وعملها داخل الميدان؛ وبالتالي طبيعي
جدا أن تختلف أشكال العمل بين الأفارقة والعرب؛ ففي البلدان الإفريقية
تكتب ما تشاء وتقول ما تشاء وتفعل عادة ما تشاء، وبالتالي تختلف البنية
الهيكلية للحركات الإسلامية من بلد لآخر والاهتمامات السياسية لها وفقا
للأجواء السائدة.
أنتم جزء من
الحركة الإخوانية، كيف تديرون العلاقة مع الإخوان وغيرها من الحركات
الإسلامية خارج البلاد خاصة في البلاد الإفريقية المجاورة لكم التي يرى
البعض أنكم قصرتم فيها لمصلحة العلاقة مع نظيراتها العربية؟.
لدينا علاقات طبيعة مع الجميع، لكن مادامت
علاقات فللطرف الآخر دور لازم فيها من حيث الاستعداد والقدرة على التطوير
والتبادل، لدينا علاقة مع الإخوة في السنغال وجامبيا وغيرها من الدول
الإسلامية الإفريقية وهو أمر طبيعي بحثا عن التجارب والتكامل والتعاون من
أجل مصالح البلدان المشتركة والمصالح المشتركة.
كيف ترون العلاقة بالمحيطين العربي والإفريقي التي مازالت تمثل أزمة في الوضع الموريتاني؟ وماذا عن قضية العلاقة مع إسرائيل؟.
هذه من الإشكالات الكبيرة؛ فقد اتضح بشكل لا
يقبل التأويل أن الغرب يركز على نقاط التماس دائما بين العرب وغيرهم
للتفرقة بين الجميع وقطع العلاقات الطبيعية جغرافيا ودينيا وسياسيا بينما
غاب العرب عن هذا المضمار.
ونحن نعتقد أن كل هذه الامتدادات عامل
إثراء، ونعتبر أنفسنا امتدادا للأفارقة في العالم العربي، وامتدادا
للطوارق في العالم العربي، وامتدادا طبيعيا للدول العربية إلى جيرانها
الأفارقة الزنوج، بحكم الموقع والدور التاريخى.
أما العلاقة مع "إسرائيل" فهو أمر غريب في
مجتمع كان يتصدق بلعن إلى هود كما نظر لذلك فقهاؤه ومربوه طيلة العقود
الماضية، والسبب هو غياب الوعي السياسي وضعف الأجهزة العربية الرسمية.
*مقابلة مع السيد: الشيخان ولد إبراهيم ولد بيب القيادي البارز بحركة الإصلاحيين الوسطيين (تيار الإخوان المسلمين) الموريتان