إعجاز القرآن الكريم عبر التاريخ في كتاب جدي
د
يتناول
الباحث الفلسطيني الدكتور عيسى بلاطة في كتابه الأخير "إعجاز القرآن
الكريم عبر التاريخ" مسألة الإعجاز القرآني منذ العصر الإسلامي الأول
وصولا إلى العصر الحديث، معتبرا أنه ليس ثمة رأي يمكن الركون إليه في شكل
نهائي ثابت بالنسبة إلى عناصر وأسباب هذا الإعجاز.
والكتاب الجديد من 367 صفحة كبيرة القطع وصدر عن المؤسسة
العربية للدراسات والنشر في سلسلة دراسات أديان، واحتوى على مقدمة تحليلية
وعرض تاريخي في الوقت نفسه استندت إلى مختارات جمعها المؤلف من أعمال عدد
من الكتاب والباحثين.
وبعد العرض التاريخي لمختلف الآراء والنظريات في هذا
الموضوع، يتوقف مليا ليدرس أعمال عصرنا الحالي وبتقدير واضح عند عائشة عبد
الرحمن التي تناولت الإعجاز القرآني.
أثر كبير
يقول بلاطة متحدثا
عن الأثر الكبير الذي أحدثه القرآن لدى العرب الذين عاصروا النبي الأكرم
محمدا صلى الله عليه وسلم، إن هؤلاء الأشخاص "لم يكونوا علماء بلاغة أو
نقاد أدب، ولكن كان لهم استعداد فطري لفهم ما يتلى عليهم وقدرة طبيعية على
إدراك فصاحته، فعرفوا أنه كلام غير عادي يفوق في لفظه ومعانيه كل كلام
سمعوه سابقا من أذكيائهم وفصحائهم".
ويوضح الدكتور بلاطة أن ظاهرة عجز البشر عن معارضة
القرآن الكريم في معناه ومبناه، أشارت إليها الكتابات الإسلامية بلفظة
"الإعجاز" منذ أوائل القرن التاسع الميلادي.
وما قارب هذا القرن على نهايته حتى كان معنى هذه اللفظة
قد تطور فأصبحت كلمة علمية تشير إلى هذه الظاهرة دينيا على أنها معجزة
إلهية ودلالة على صدق نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبرهان على أن
القرآن الكريم تنزيل من الله تعالى حيث إن البشر بالفعل غير قادرين مطلقا
على معارضته أو الإتيان بمثله أو بمثل سورة واحدة منه.
وأضاف أنه كان للجاحظ وغيره من المفكرين والأدباء
المسلمين تأثير في تشديدهم على فصاحة القرآن وبيانه، ما جعل "لفظة الإعجاز
تزداد ارتباطا بما له من أسلوب بلاغي رفيع لا يدانى".
غير أن بعضهم قالوا إن فكرة الإعجاز يجب ألا تفهم هذا
الفهم الضيق ومنهم "النظّام" -وهو من المعتزلة كالجاحظ- فأدخل إلى النقاش
الدائر بين العلماء فكرة "الصرفة"، بمعنى أن الله صرف العرب عن معارضته
بأن سلب علومهم به، فلم يقبل هذا الفكرة إلا قلائل.
محاولة للوصول
واستمرت
الكتابات عن الإعجاز منذ القرن التاسع الميلادي، لكن وجوهه ظلت مدار نقاش
بين المفكرين المسلمين الذين كتبوا عنه وطوروا مفهومه ومنهم "الرماني" في
كتابه "النكت في إعجاز القران" وهو من أوائل المؤلفات التي وردت لفظة
الإعجاز في عناوينها.
وبحسب الرماني فإن للإعجاز في القرآن سبعة وجوه هي "ترك
معارضة القرآن مع توفر الدواعي لها، وتحدي القرآن للجميع،
والصرفة والبلاغة وما فيه من معلومات وأخبار صادقة عن أحداث في المستقبل،
وخرق القرآن للعادة أي ما هو معروف من الأجناس الأدبية شعرا ونثرا،
وقياس القرآن بكل المعجزات التي عرفتها الأديان الأخرى".
أما معاصره الخطّابي -وهو من أهل السنة والجماعة- فرفض
فكرة الصرفة في كتابه "بيان إعجاز القرآن"، ورفض أن تكون أخبار المستقبل
من وجوه الإعجاز معتبرا التأثير النفسي للقرآن على النفوس مظهرا من مظاهر
الإعجاز وأنه ناتج عن مجموع ما له من تفرد بلاغي.
وأكد القاضي عبد الجبار -وهو معتزلي- في كتابه "المغني
في أبواب التوحيد والعدل" أن أسلوب القرآن المتميز وجه أساسي من وجوه
إعجازه، وأن هذه الفصاحة "ناتجة من امتياز اللفظ والمعنى".
دراسات حديثة
وفي القرن
العشرين أعاد الإمام محمد عبده الدراسات إلى البساطة المعقولة وبحث
الإعجاز باختصار في كتابه "رسالة التوحيد" فتجنب التحليل المفصل لمسائل
النحو والبلاغة في القرآن الكريم.
وشدد عبد المتعال الصعيدي في كتابه "النظم الفني في
القرآن" على النظر إلى القرآن ككل وعلى "علم ارتباط الآيات"، فيما
أولى سيد قطب في عدة كتب منها "التصوير الفني في القران" و"مشاهد القيامة
في القرآن" و"في ظلال القرآن" ومقالات مختلفة، النواحي الجمالية والبلاغية
في أسلوب القرآن اهتماما كبيرا، ورأى أنه يعبر بالصور المحسة المتخيلة عن
المعنى الذهني والحالة النفسية والمشهد المنظور.
وعرض بلاطة أعمالا أخرى في الإعجاز منها كتاب "إعجاز
القران" لعبد الكريم الخطيب وقد نشره عام 1964، لكنه توقف مليا عند عائشة
عبد الرحمن في كتابها "الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق" وفيه
تخالف الذين ينسبون الإعجاز في القرآن إلى أي شيء آخر غير أسلوبه الفريد،
وإن كانت تعترف أيضا بأن الإعجاز يفوت كل محاولة لتحديده والوقوف على سره.
ويذكر المؤلف عن دراستها أنها استقرائية وتكشف عن تفهم
جديد لاستعمال اللغة لم يفطن إليه السابقون في دراستهم للإعجاز، ومنه ما
يدهش مثل ملاحظتها على الاستغناء عن الفاعل وبناء الفعل للمجهول في موقف
يوم البعث والقيامة وملاحظتها على استعمال صيغ للمطاوعة في موقف الآخرة.
المصدر:
رويترز
د
يتناول
الباحث الفلسطيني الدكتور عيسى بلاطة في كتابه الأخير "إعجاز القرآن
الكريم عبر التاريخ" مسألة الإعجاز القرآني منذ العصر الإسلامي الأول
وصولا إلى العصر الحديث، معتبرا أنه ليس ثمة رأي يمكن الركون إليه في شكل
نهائي ثابت بالنسبة إلى عناصر وأسباب هذا الإعجاز.
والكتاب الجديد من 367 صفحة كبيرة القطع وصدر عن المؤسسة
العربية للدراسات والنشر في سلسلة دراسات أديان، واحتوى على مقدمة تحليلية
وعرض تاريخي في الوقت نفسه استندت إلى مختارات جمعها المؤلف من أعمال عدد
من الكتاب والباحثين.
وبعد العرض التاريخي لمختلف الآراء والنظريات في هذا
الموضوع، يتوقف مليا ليدرس أعمال عصرنا الحالي وبتقدير واضح عند عائشة عبد
الرحمن التي تناولت الإعجاز القرآني.
أثر كبير
يقول بلاطة متحدثا
عن الأثر الكبير الذي أحدثه القرآن لدى العرب الذين عاصروا النبي الأكرم
محمدا صلى الله عليه وسلم، إن هؤلاء الأشخاص "لم يكونوا علماء بلاغة أو
نقاد أدب، ولكن كان لهم استعداد فطري لفهم ما يتلى عليهم وقدرة طبيعية على
إدراك فصاحته، فعرفوا أنه كلام غير عادي يفوق في لفظه ومعانيه كل كلام
سمعوه سابقا من أذكيائهم وفصحائهم".
ويوضح الدكتور بلاطة أن ظاهرة عجز البشر عن معارضة
القرآن الكريم في معناه ومبناه، أشارت إليها الكتابات الإسلامية بلفظة
"الإعجاز" منذ أوائل القرن التاسع الميلادي.
وما قارب هذا القرن على نهايته حتى كان معنى هذه اللفظة
قد تطور فأصبحت كلمة علمية تشير إلى هذه الظاهرة دينيا على أنها معجزة
إلهية ودلالة على صدق نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبرهان على أن
القرآن الكريم تنزيل من الله تعالى حيث إن البشر بالفعل غير قادرين مطلقا
على معارضته أو الإتيان بمثله أو بمثل سورة واحدة منه.
وأضاف أنه كان للجاحظ وغيره من المفكرين والأدباء
المسلمين تأثير في تشديدهم على فصاحة القرآن وبيانه، ما جعل "لفظة الإعجاز
تزداد ارتباطا بما له من أسلوب بلاغي رفيع لا يدانى".
غير أن بعضهم قالوا إن فكرة الإعجاز يجب ألا تفهم هذا
الفهم الضيق ومنهم "النظّام" -وهو من المعتزلة كالجاحظ- فأدخل إلى النقاش
الدائر بين العلماء فكرة "الصرفة"، بمعنى أن الله صرف العرب عن معارضته
بأن سلب علومهم به، فلم يقبل هذا الفكرة إلا قلائل.
محاولة للوصول
واستمرت
الكتابات عن الإعجاز منذ القرن التاسع الميلادي، لكن وجوهه ظلت مدار نقاش
بين المفكرين المسلمين الذين كتبوا عنه وطوروا مفهومه ومنهم "الرماني" في
كتابه "النكت في إعجاز القران" وهو من أوائل المؤلفات التي وردت لفظة
الإعجاز في عناوينها.
وبحسب الرماني فإن للإعجاز في القرآن سبعة وجوه هي "ترك
معارضة القرآن مع توفر الدواعي لها، وتحدي القرآن للجميع،
والصرفة والبلاغة وما فيه من معلومات وأخبار صادقة عن أحداث في المستقبل،
وخرق القرآن للعادة أي ما هو معروف من الأجناس الأدبية شعرا ونثرا،
وقياس القرآن بكل المعجزات التي عرفتها الأديان الأخرى".
أما معاصره الخطّابي -وهو من أهل السنة والجماعة- فرفض
فكرة الصرفة في كتابه "بيان إعجاز القرآن"، ورفض أن تكون أخبار المستقبل
من وجوه الإعجاز معتبرا التأثير النفسي للقرآن على النفوس مظهرا من مظاهر
الإعجاز وأنه ناتج عن مجموع ما له من تفرد بلاغي.
وأكد القاضي عبد الجبار -وهو معتزلي- في كتابه "المغني
في أبواب التوحيد والعدل" أن أسلوب القرآن المتميز وجه أساسي من وجوه
إعجازه، وأن هذه الفصاحة "ناتجة من امتياز اللفظ والمعنى".
دراسات حديثة
وفي القرن
العشرين أعاد الإمام محمد عبده الدراسات إلى البساطة المعقولة وبحث
الإعجاز باختصار في كتابه "رسالة التوحيد" فتجنب التحليل المفصل لمسائل
النحو والبلاغة في القرآن الكريم.
وشدد عبد المتعال الصعيدي في كتابه "النظم الفني في
القرآن" على النظر إلى القرآن ككل وعلى "علم ارتباط الآيات"، فيما
أولى سيد قطب في عدة كتب منها "التصوير الفني في القران" و"مشاهد القيامة
في القرآن" و"في ظلال القرآن" ومقالات مختلفة، النواحي الجمالية والبلاغية
في أسلوب القرآن اهتماما كبيرا، ورأى أنه يعبر بالصور المحسة المتخيلة عن
المعنى الذهني والحالة النفسية والمشهد المنظور.
وعرض بلاطة أعمالا أخرى في الإعجاز منها كتاب "إعجاز
القران" لعبد الكريم الخطيب وقد نشره عام 1964، لكنه توقف مليا عند عائشة
عبد الرحمن في كتابها "الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق" وفيه
تخالف الذين ينسبون الإعجاز في القرآن إلى أي شيء آخر غير أسلوبه الفريد،
وإن كانت تعترف أيضا بأن الإعجاز يفوت كل محاولة لتحديده والوقوف على سره.
ويذكر المؤلف عن دراستها أنها استقرائية وتكشف عن تفهم
جديد لاستعمال اللغة لم يفطن إليه السابقون في دراستهم للإعجاز، ومنه ما
يدهش مثل ملاحظتها على الاستغناء عن الفاعل وبناء الفعل للمجهول في موقف
يوم البعث والقيامة وملاحظتها على استعمال صيغ للمطاوعة في موقف الآخرة.
المصدر:
رويترز