السيد ولد اباهيدعونه في فرنسا باختصار «ساركو».. انه وزير الداخلية المستقيل نيكولا
ساركوزي الذي حقق أعلى نسبة في اقتراع 22 ابريل الجاري مما أهله لتقاسم
شوط ثان مع مرشحة الحزب الاشتراكي الفرنسي سيغولين رويال التي يدعوها
أنصارها توددا بسيغو. على عادة الفرنسين في «التدليع». وجهان
جديدان في الساحة الفرنسية وإن كانا ليس بالنكرتين على الرغم من أن كليهما
في بداية العقد الخامس من عمره.. يرمزان على اختلافهما في الموقع والخلفية
إلى تحول جوهري في الحقل السياسي الفرنسي الذي تشكل منذ قيام الجمهورية
الخامسة عام 1958. فإذا كانت سيغولين رويال هي أول امرأة تصل
للشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية في فرنسا، فإن نيكولا ساركوزي هو ابن
المهاجر الذي استطاع أن يوحد اليمين الفرنسي حول شخصه، منتزعا مركز
الصدارة من وجوه العائلات العريقة التي يتحدر منها عادة زعماء التيار
الديغولي.أقبل الفرنسيون على الانتخابات الأخيرة بوتيرة غير
مسبوقة، وشغلوا بالحملة الرئاسية أكثر من أي وقت مضى، وبلغت نسبة المشاركة
في الاقتراع 84 % (في مقابل 71% في انتخابات 2002). أفلت نجوم
المسرح السياسي الفرنسي المألوفة مثل العجوز اليميني المتطرف جان ماري
لبان الذي عاد إلى نسبة العشرة بالمائة التي كانت له في الثمانينات ولم
يتمكن من تحقيق مفاجأة سباق 2002 (الصعود للشوط الثاني). وانهار الحزب
الشيوعي الفرنسي العريق فلم يحقق مرشحه ماري جورج بيفي الا نسبة هامشية لا
تتجاوز 1 بالمائة.كثير من المحللين ذهبوا إلى أن الحقل السياسي
الفرنسي عاد إلى الثنائية المألوفة بين اليمين الديغولي واليسار المعتدل،
في حين اعتبر البعض الآخر أن النسبة العالية التي حققها مرشح الوسط
فرانسوا بايرو (18.55) مؤشر بروز قطب سياسي ثالث سيضفي نكهة جديدة على
الحياة السياسية الفرنسية. ومهما كان الأمر، اتفق الجميع على أن صوت بايرو
سيكون مرجحا في الشوط الأخير من السباق الرئاسي المتوقع يوم 6 مايو
القادم. ينتمي الثلاثة إلى الجيل نفسه، فهم من مواليد بداية
الخمسينات، ويتفقون في خاصية مشتركة إضافية وهي كونهم انبثقوا من حطام
تشكيلاتهم السياسية.ولنبدأ من المرشح اليميني نيكولا ساركوزي الذي استأثر بدون شك بالأضواء خلال الحملة الأخيرة واستطاع أن يمحورها حول نفسه.ولد
نيكولا ساركوزي عام 1955 في باريس من أب هونغري من أصل يهودي يوناني وأم
يهودية شرقية، التقيا سنة 1944 فارين من الجحيم النازي مرورا بالنسب
وألمانيا، استطاع المهاجر الهونغري الاندماج في أوساط الطبقة الوسطى
الفرنسية التي تربى فيها أولاده الذين اختاروا مهنة الأعمال والتجارة
باستثناء نيكولا الذي درس العلوم السياسية وتردد بين الصحافة والمحاماة،
قبل ان تجرفه السياسة في عمر مبكر. انتمى لحزب اتحاد الجمهوريين عام 1976
والتحق بشيراك عندما أسس حزبه الديغولي عام 1976. ارتبط ارتباطا وثيقا في
الحزب بشارل باسكوا الذي اعتبر أنه «الوجه التوأم له». أصبح نائبا
ولم تتجاوز سنه الرابعة والثلاثين. وتقلد وزارة المالية في حكومة بالادير
وعمره 38 سنة، وغدا في الوقت نفسه ناطقا باسم الحكومة.كانت طعنة
ساركوزي الأولى لمعلمه شيراك عام 1995 عندما دعم منافسه بالادير الذي هزم
في الشوط الأول من الاقتراع، ولذا غاب عن حكومة جوبيه التي تشكلت بعد وصول
شيراك للسلطة، ولم يعد للوزارة إلا عام 2002 عندما تولى مقاليد الداخلية
ثم المالية قبل أن يعود لوزارة الداخلية في حكومة خصمه اللدود رئيس
الوزارء الحالي دفلبين ومنها ترشح للكرسي الأسمى.لم يختلف
الفرنسيون حول شخصية سياسية منذ ميتران مثل اختلافهم حول ساركوزي الذي
استمالهم بحياته الشخصية المضطربة وزواجه المثير من عارضة الأزياء سيسيليا
ذات الأصل اليهودي الروماني التي تعرف عليها عام 1984 وزوجها لصديقه النجم
التلفزيوني جاك مارتين قبل أن يتزوجها سنة 1996. صرحت سيسيليا عام 2004
للصحافة بأنها «فخورة بأن شرايينها خالية من أي دم فرنسي» مما جلب
لساركوزي من الضرر ما لم تجلبه له مغامراتها العاطفية الطائشة. ساركوزي
ماكينة سياسية مكتملة بطاقته الفريدة وقدراته الفائقة على التحكم في وسائل
الإعلام. وعلاقاته الواسعة في الوسط المالي، وكفاءاته العالية في التنظيم.
وقد أهلته هذه المزايا لتوحيد تيارات اليمين في حزب سياسي جامع هو
حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الذي اصبح رئيسه منذ نشأته عام 2002. وبرئاسة
الحزب ضمن ساركوزي التغلب على كل منافسيه من اليمين، وفي مقدمتهم الرئيس
شيراك ورئيس حكومته دفلبين اللذين يبادلانه الكراهية والنفور، حتى لو
اضطرا لدعمه في الانتخابات الحالية.وعلى الرغم من أن ثقافة ساركوزي
متواضعة ولم يكن بارعا في الدراسة الجامعية، إلا أنه الف عدة كتب في
السنوات الاخيرة تناولت مواضيع فكرية وسياسية شتى من العلمانية إلى
العولمة والعلاقات الدولية. ولم يتردد في حملته الأخيرة في الانتقال من
موضوعات الدين إلى التحليل النفسي إلى التقنيات الجينية، ناجحا في كل مرة
في توجيه الأنظار إليه. ومع أن ساركوزي أحال في بعض خطبه إلى
التراث الاشتراكي الفرنسي مستشهدا بجان جوريس وميتران، إلا أنه نافس
اليمين المتطرف في أرضيته المألوفة، مركزا حملته حول الهوية الفرنسية
المهددة، وتعهد بإنشاء وزارة خاصة بالهوية والهجرة، مما ولد نقمة واسعة
عليه. فابن المهاجر المرشح اليوم لرئاسة فرنسا خاطب الأفارقة
مقترحا عليهم اعادة تصور استراتيجية الهجرة بالانتقال من «الهجرة المفروضة
إلى الهجرة المنتقاة» التي اعتبرها الرئيس السنغالي عبد الله واد مفهوما
عنصريا ومحاولة مدانة» لنهب الأدمغة الإفريقية. والسياسي من أصل
يهودي المندمج في النسيج العلماني الفرنسي، لم يتردد في المطالبة بمراجعة
النظام العلماني بإعادة الاعتبار للدين في المسلك التربوي وفي القيم
الجماعية منوها في أحد خطبه «بفرنسا الحروب الصليبية والكنائس» وهو نفسه
الذي أشرف على إنشاء مجلس أعلى لمسلمي فرنسا يمثلهم لدى السلطات العمومية.
نجحت مقاربة ساركوزي في انتزاع قاعدة الجبهة الشعبية المتطرفة،
وذهب بوضوح إلى القول إنه يرحب بمؤيدي ليبان داخل اليمين الجمهوري وأنه
مستعد «لأن يبحث عنهم واحد واحدا».اتهم ساركوزي بميوله الأمريكية
وانبهاره باليمين المحافظ الحاكم في واشنطن، حتى ولو أراد في الواقع تقمص
شخصية كلينتون الساحرة، الديناميكية. وقد تحدث بعد نجاحه على طريقة
الأمريكيين عن «الحلم الفرنسي الجديد» القائم على ثالوت الهوية، السلطة
والعمل ضمن «جمهورية متآخية». يقدم اليوم ساركو وجها جديدا لليمين
الفرنسي، يجمع بين الحس الوطني الديغولي والليبرالية الانغلوساكسونية
والتقليد الأمريكي المحافظ. ترجح أغلب استطلاعات الرأي فوزه في
الشوط الثاني من الانتخابات في مقابل منافسته الاشتراكية، بنت الضابط
الاستعماري التي ولدت قبله بسنتين في دكار عاصمة السنغال (1953). درست
سيغو الاقتصاد والعلوم السياسية مثل ساركوزي وإن كانت تميزت عنه بالولوج
للمدرسة الإدارية الفرنسية، ذلك المعهد العريق الذي تخرجت منه أبرز عناصر
النخبة السياسية الفرنسية. في المدرسة الإدارية تعرفت على فرانسوا هولاند الذي أصبح شريكها في البيت منذ عام 1970 ولها منه 4 أولاد وإن لم يتزوجا رسميا. دخلت
سيغو الساحة السياسية مبكرا، وانتمت للحزب الاشتراكي الفرنسي عام 1978
والتحقت بديوان الرئيس ميتران منذ عام 1982 قبل أن تتقلد الوزارة في حكومة
بريغفوا عام 1992 مسؤولة عن البيئة، وتعود لها عام 1997 وزيرة للتعليم ثم
الأسرة في حكومة جوسبين في عهد شيراك.ولم يكن ثمة ما يهيئ الفتاة
المتمردة التي تربت سياسيا في سرايا الحزب لمنافسة اقطاب التيار الاشتراكي
من قدامي الساسة المحترفين من امثال دومنيك ستروس كان وجاك لانغ ولوران
فابيوس. ومع ذلك تمكنت سيغو من التغلب على منافسيها فانتخبها الحزب مرشحة
عنه يوم 16 نوفمبر 2006 لتكون أول مرشحة نسائية ذات وزن هام في الانتخابات
الرئاسية الفرنسية. ولم تكن سيغو لتنتزع هذا الموقع، لولا أن
الحزب الذي أسسه ميتران في بداية السبعينات قد شهد تحولات جذرية، بعد
هزيمة أمينه العام جوسبان عام 1995 وخروجه من المعترك السياسي إثر مفاجأة
إقصائه من الشوط الثاني من الانتخابات وتقدم جان ماري لبان عليه. ففي
الوقت الذي كان يرمز الحزب في الثمانينات للتحديث والتغيير، أصبح ينظر
إليه في العقدين الأخيرين بأنه تشكيلة جامدة، عاجزة عن التجدد والتطور
الذاتي. وقد لمس الفرنسيون في شخصية السيدة رويال صورة المرأة
الحديثة المتطورة التي تبنت الخطاب الاشتراكي التقليدي ولم تتردد في
استخدام مصطلحات ومفاهيم جديدة عليه. تحدثت سيغو في حملتها عن
«الديمقراطية المجددة» وعن حوار الثقافات، ورفعت شعار «الميثاق الجمهوري»
الذي سيفضي إلى إنشاء جمهورية سادسة تتجاوز قسمة اليمين واليسار التي
أصبحت بحسب رأيها متجاوزة.تحدثت عن اعجابها برئيس الوزراء
البريطاني توني بلير وبنظريته «الطريق الثالث» وتعهدت في لغة شاعرية صوفية
برد البسمة إلى شفاه الفرنسيين وإعادة الدفء إلى قلوبهم. يتهمها
خصومها بالسطحية والتناقض والسذاجة وضعف الاطلاع على الشؤون الخارجية،
ويضربون مثلا على ذلك ارتداؤها البياض (لون السواد في الصين) في زيارتها
لسور الصين العظيم، ومطالبتها بتحريم الطاقة النووية السلمية على ايران،
وتهجمها على نظام طالبان الذي توهمت أنه لا يزال قائما بعد خمس سنوات من
الإطاحة به.لم تفقد سيغولين رويال الأمل بعد إعلان نتائج الشوط
الأول من الانتخابات الذي حصلت فيه على نسبة 25.8 %. وما دامت تعي أن
أصوات التشيكلات اليسارية الصغيرة عاجزة عن تأمين الدعم المطلوب لفوزها،
فإنها اتجهت الى مغازلة مرشح الوسط فرانسوا بايرو، مقترحة عليه اشراكه في
الحكومة بل التعاون معه في انشاء قطب جمهوري جديد يشمل الوسط واليسار. رفض
بايرو العرض، واختار السلامة، واعيا بأنه لا يتحكم في أصوات ناخبيه،
متعهدا بمحاولة جمعهم في تشكيلة جديدة، تكون نواة منبر دعاه بالحزب
الديمقراطي. فهل سيتمكن بايرو من التأثير على توازنات الساحة
السياسية الفرنسية بإنشاء هذا القطب الجديد الذي يرث حزب الوسط الصغير
الذي يرأسه منذ عام 1998. يتفق المراقبون على أن بايرو هو نجم الانتخابات الأخيرة باعتبار النتائج الباهرة التي حققها (في مقابل 6،84 في انتخابات 2002). فهذا
الأديب البارع الذي تغلب بطريقة مفاجئة على التأتأة التي كانت تحول بينه
والتواصل مع الناس، استفاد بصفة واضحة من الأزمة الداخلية للحقل السياسي
الفرنسي، وتمكن من استمالة بقايا التيار المسيحي المتنور، وقد نجح في
توجيه النظر إلى ثغرات ونقائض النظام السياسي الفرنسي السائد منذ قيام
الجمهورية الخامسة. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن قاعدته
الانتخابية ستتوزع بالتناصف تقريبا على المرشحين الباقين في السباق،
بالرغم من تودد سيغولين رويال وتوقع ساركوزي المتفائل.. وكما يقول المثل
الفرنسي المشهور «لا احد يحصل على الزبدة وثمن الزبدة».
ساركوزي الذي حقق أعلى نسبة في اقتراع 22 ابريل الجاري مما أهله لتقاسم
شوط ثان مع مرشحة الحزب الاشتراكي الفرنسي سيغولين رويال التي يدعوها
أنصارها توددا بسيغو. على عادة الفرنسين في «التدليع». وجهان
جديدان في الساحة الفرنسية وإن كانا ليس بالنكرتين على الرغم من أن كليهما
في بداية العقد الخامس من عمره.. يرمزان على اختلافهما في الموقع والخلفية
إلى تحول جوهري في الحقل السياسي الفرنسي الذي تشكل منذ قيام الجمهورية
الخامسة عام 1958. فإذا كانت سيغولين رويال هي أول امرأة تصل
للشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية في فرنسا، فإن نيكولا ساركوزي هو ابن
المهاجر الذي استطاع أن يوحد اليمين الفرنسي حول شخصه، منتزعا مركز
الصدارة من وجوه العائلات العريقة التي يتحدر منها عادة زعماء التيار
الديغولي.أقبل الفرنسيون على الانتخابات الأخيرة بوتيرة غير
مسبوقة، وشغلوا بالحملة الرئاسية أكثر من أي وقت مضى، وبلغت نسبة المشاركة
في الاقتراع 84 % (في مقابل 71% في انتخابات 2002). أفلت نجوم
المسرح السياسي الفرنسي المألوفة مثل العجوز اليميني المتطرف جان ماري
لبان الذي عاد إلى نسبة العشرة بالمائة التي كانت له في الثمانينات ولم
يتمكن من تحقيق مفاجأة سباق 2002 (الصعود للشوط الثاني). وانهار الحزب
الشيوعي الفرنسي العريق فلم يحقق مرشحه ماري جورج بيفي الا نسبة هامشية لا
تتجاوز 1 بالمائة.كثير من المحللين ذهبوا إلى أن الحقل السياسي
الفرنسي عاد إلى الثنائية المألوفة بين اليمين الديغولي واليسار المعتدل،
في حين اعتبر البعض الآخر أن النسبة العالية التي حققها مرشح الوسط
فرانسوا بايرو (18.55) مؤشر بروز قطب سياسي ثالث سيضفي نكهة جديدة على
الحياة السياسية الفرنسية. ومهما كان الأمر، اتفق الجميع على أن صوت بايرو
سيكون مرجحا في الشوط الأخير من السباق الرئاسي المتوقع يوم 6 مايو
القادم. ينتمي الثلاثة إلى الجيل نفسه، فهم من مواليد بداية
الخمسينات، ويتفقون في خاصية مشتركة إضافية وهي كونهم انبثقوا من حطام
تشكيلاتهم السياسية.ولنبدأ من المرشح اليميني نيكولا ساركوزي الذي استأثر بدون شك بالأضواء خلال الحملة الأخيرة واستطاع أن يمحورها حول نفسه.ولد
نيكولا ساركوزي عام 1955 في باريس من أب هونغري من أصل يهودي يوناني وأم
يهودية شرقية، التقيا سنة 1944 فارين من الجحيم النازي مرورا بالنسب
وألمانيا، استطاع المهاجر الهونغري الاندماج في أوساط الطبقة الوسطى
الفرنسية التي تربى فيها أولاده الذين اختاروا مهنة الأعمال والتجارة
باستثناء نيكولا الذي درس العلوم السياسية وتردد بين الصحافة والمحاماة،
قبل ان تجرفه السياسة في عمر مبكر. انتمى لحزب اتحاد الجمهوريين عام 1976
والتحق بشيراك عندما أسس حزبه الديغولي عام 1976. ارتبط ارتباطا وثيقا في
الحزب بشارل باسكوا الذي اعتبر أنه «الوجه التوأم له». أصبح نائبا
ولم تتجاوز سنه الرابعة والثلاثين. وتقلد وزارة المالية في حكومة بالادير
وعمره 38 سنة، وغدا في الوقت نفسه ناطقا باسم الحكومة.كانت طعنة
ساركوزي الأولى لمعلمه شيراك عام 1995 عندما دعم منافسه بالادير الذي هزم
في الشوط الأول من الاقتراع، ولذا غاب عن حكومة جوبيه التي تشكلت بعد وصول
شيراك للسلطة، ولم يعد للوزارة إلا عام 2002 عندما تولى مقاليد الداخلية
ثم المالية قبل أن يعود لوزارة الداخلية في حكومة خصمه اللدود رئيس
الوزارء الحالي دفلبين ومنها ترشح للكرسي الأسمى.لم يختلف
الفرنسيون حول شخصية سياسية منذ ميتران مثل اختلافهم حول ساركوزي الذي
استمالهم بحياته الشخصية المضطربة وزواجه المثير من عارضة الأزياء سيسيليا
ذات الأصل اليهودي الروماني التي تعرف عليها عام 1984 وزوجها لصديقه النجم
التلفزيوني جاك مارتين قبل أن يتزوجها سنة 1996. صرحت سيسيليا عام 2004
للصحافة بأنها «فخورة بأن شرايينها خالية من أي دم فرنسي» مما جلب
لساركوزي من الضرر ما لم تجلبه له مغامراتها العاطفية الطائشة. ساركوزي
ماكينة سياسية مكتملة بطاقته الفريدة وقدراته الفائقة على التحكم في وسائل
الإعلام. وعلاقاته الواسعة في الوسط المالي، وكفاءاته العالية في التنظيم.
وقد أهلته هذه المزايا لتوحيد تيارات اليمين في حزب سياسي جامع هو
حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الذي اصبح رئيسه منذ نشأته عام 2002. وبرئاسة
الحزب ضمن ساركوزي التغلب على كل منافسيه من اليمين، وفي مقدمتهم الرئيس
شيراك ورئيس حكومته دفلبين اللذين يبادلانه الكراهية والنفور، حتى لو
اضطرا لدعمه في الانتخابات الحالية.وعلى الرغم من أن ثقافة ساركوزي
متواضعة ولم يكن بارعا في الدراسة الجامعية، إلا أنه الف عدة كتب في
السنوات الاخيرة تناولت مواضيع فكرية وسياسية شتى من العلمانية إلى
العولمة والعلاقات الدولية. ولم يتردد في حملته الأخيرة في الانتقال من
موضوعات الدين إلى التحليل النفسي إلى التقنيات الجينية، ناجحا في كل مرة
في توجيه الأنظار إليه. ومع أن ساركوزي أحال في بعض خطبه إلى
التراث الاشتراكي الفرنسي مستشهدا بجان جوريس وميتران، إلا أنه نافس
اليمين المتطرف في أرضيته المألوفة، مركزا حملته حول الهوية الفرنسية
المهددة، وتعهد بإنشاء وزارة خاصة بالهوية والهجرة، مما ولد نقمة واسعة
عليه. فابن المهاجر المرشح اليوم لرئاسة فرنسا خاطب الأفارقة
مقترحا عليهم اعادة تصور استراتيجية الهجرة بالانتقال من «الهجرة المفروضة
إلى الهجرة المنتقاة» التي اعتبرها الرئيس السنغالي عبد الله واد مفهوما
عنصريا ومحاولة مدانة» لنهب الأدمغة الإفريقية. والسياسي من أصل
يهودي المندمج في النسيج العلماني الفرنسي، لم يتردد في المطالبة بمراجعة
النظام العلماني بإعادة الاعتبار للدين في المسلك التربوي وفي القيم
الجماعية منوها في أحد خطبه «بفرنسا الحروب الصليبية والكنائس» وهو نفسه
الذي أشرف على إنشاء مجلس أعلى لمسلمي فرنسا يمثلهم لدى السلطات العمومية.
نجحت مقاربة ساركوزي في انتزاع قاعدة الجبهة الشعبية المتطرفة،
وذهب بوضوح إلى القول إنه يرحب بمؤيدي ليبان داخل اليمين الجمهوري وأنه
مستعد «لأن يبحث عنهم واحد واحدا».اتهم ساركوزي بميوله الأمريكية
وانبهاره باليمين المحافظ الحاكم في واشنطن، حتى ولو أراد في الواقع تقمص
شخصية كلينتون الساحرة، الديناميكية. وقد تحدث بعد نجاحه على طريقة
الأمريكيين عن «الحلم الفرنسي الجديد» القائم على ثالوت الهوية، السلطة
والعمل ضمن «جمهورية متآخية». يقدم اليوم ساركو وجها جديدا لليمين
الفرنسي، يجمع بين الحس الوطني الديغولي والليبرالية الانغلوساكسونية
والتقليد الأمريكي المحافظ. ترجح أغلب استطلاعات الرأي فوزه في
الشوط الثاني من الانتخابات في مقابل منافسته الاشتراكية، بنت الضابط
الاستعماري التي ولدت قبله بسنتين في دكار عاصمة السنغال (1953). درست
سيغو الاقتصاد والعلوم السياسية مثل ساركوزي وإن كانت تميزت عنه بالولوج
للمدرسة الإدارية الفرنسية، ذلك المعهد العريق الذي تخرجت منه أبرز عناصر
النخبة السياسية الفرنسية. في المدرسة الإدارية تعرفت على فرانسوا هولاند الذي أصبح شريكها في البيت منذ عام 1970 ولها منه 4 أولاد وإن لم يتزوجا رسميا. دخلت
سيغو الساحة السياسية مبكرا، وانتمت للحزب الاشتراكي الفرنسي عام 1978
والتحقت بديوان الرئيس ميتران منذ عام 1982 قبل أن تتقلد الوزارة في حكومة
بريغفوا عام 1992 مسؤولة عن البيئة، وتعود لها عام 1997 وزيرة للتعليم ثم
الأسرة في حكومة جوسبين في عهد شيراك.ولم يكن ثمة ما يهيئ الفتاة
المتمردة التي تربت سياسيا في سرايا الحزب لمنافسة اقطاب التيار الاشتراكي
من قدامي الساسة المحترفين من امثال دومنيك ستروس كان وجاك لانغ ولوران
فابيوس. ومع ذلك تمكنت سيغو من التغلب على منافسيها فانتخبها الحزب مرشحة
عنه يوم 16 نوفمبر 2006 لتكون أول مرشحة نسائية ذات وزن هام في الانتخابات
الرئاسية الفرنسية. ولم تكن سيغو لتنتزع هذا الموقع، لولا أن
الحزب الذي أسسه ميتران في بداية السبعينات قد شهد تحولات جذرية، بعد
هزيمة أمينه العام جوسبان عام 1995 وخروجه من المعترك السياسي إثر مفاجأة
إقصائه من الشوط الثاني من الانتخابات وتقدم جان ماري لبان عليه. ففي
الوقت الذي كان يرمز الحزب في الثمانينات للتحديث والتغيير، أصبح ينظر
إليه في العقدين الأخيرين بأنه تشكيلة جامدة، عاجزة عن التجدد والتطور
الذاتي. وقد لمس الفرنسيون في شخصية السيدة رويال صورة المرأة
الحديثة المتطورة التي تبنت الخطاب الاشتراكي التقليدي ولم تتردد في
استخدام مصطلحات ومفاهيم جديدة عليه. تحدثت سيغو في حملتها عن
«الديمقراطية المجددة» وعن حوار الثقافات، ورفعت شعار «الميثاق الجمهوري»
الذي سيفضي إلى إنشاء جمهورية سادسة تتجاوز قسمة اليمين واليسار التي
أصبحت بحسب رأيها متجاوزة.تحدثت عن اعجابها برئيس الوزراء
البريطاني توني بلير وبنظريته «الطريق الثالث» وتعهدت في لغة شاعرية صوفية
برد البسمة إلى شفاه الفرنسيين وإعادة الدفء إلى قلوبهم. يتهمها
خصومها بالسطحية والتناقض والسذاجة وضعف الاطلاع على الشؤون الخارجية،
ويضربون مثلا على ذلك ارتداؤها البياض (لون السواد في الصين) في زيارتها
لسور الصين العظيم، ومطالبتها بتحريم الطاقة النووية السلمية على ايران،
وتهجمها على نظام طالبان الذي توهمت أنه لا يزال قائما بعد خمس سنوات من
الإطاحة به.لم تفقد سيغولين رويال الأمل بعد إعلان نتائج الشوط
الأول من الانتخابات الذي حصلت فيه على نسبة 25.8 %. وما دامت تعي أن
أصوات التشيكلات اليسارية الصغيرة عاجزة عن تأمين الدعم المطلوب لفوزها،
فإنها اتجهت الى مغازلة مرشح الوسط فرانسوا بايرو، مقترحة عليه اشراكه في
الحكومة بل التعاون معه في انشاء قطب جمهوري جديد يشمل الوسط واليسار. رفض
بايرو العرض، واختار السلامة، واعيا بأنه لا يتحكم في أصوات ناخبيه،
متعهدا بمحاولة جمعهم في تشكيلة جديدة، تكون نواة منبر دعاه بالحزب
الديمقراطي. فهل سيتمكن بايرو من التأثير على توازنات الساحة
السياسية الفرنسية بإنشاء هذا القطب الجديد الذي يرث حزب الوسط الصغير
الذي يرأسه منذ عام 1998. يتفق المراقبون على أن بايرو هو نجم الانتخابات الأخيرة باعتبار النتائج الباهرة التي حققها (في مقابل 6،84 في انتخابات 2002). فهذا
الأديب البارع الذي تغلب بطريقة مفاجئة على التأتأة التي كانت تحول بينه
والتواصل مع الناس، استفاد بصفة واضحة من الأزمة الداخلية للحقل السياسي
الفرنسي، وتمكن من استمالة بقايا التيار المسيحي المتنور، وقد نجح في
توجيه النظر إلى ثغرات ونقائض النظام السياسي الفرنسي السائد منذ قيام
الجمهورية الخامسة. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن قاعدته
الانتخابية ستتوزع بالتناصف تقريبا على المرشحين الباقين في السباق،
بالرغم من تودد سيغولين رويال وتوقع ساركوزي المتفائل.. وكما يقول المثل
الفرنسي المشهور «لا احد يحصل على الزبدة وثمن الزبدة».