في الذكرى التاسعة لرحيل نزار قباني
ومضات من مسيرة الياسمين الدمشقي
دمشق
العريقة، التاريخ، الحضارة، معقل النضال والعشق.... دمشق الشام
والعروبة.... أفرد لها نزار قباني، العديد من قصائده- منها على سبيل
المثال: «عصفورتان دمشقيتان»، و«موال دمشقي» وغيرهما الكثير كيف لا وهو
القائل:
أنا مسكون بدمشق... حتى حين لا أسكنها..
أولياؤها مدفونون
في داخلي.... حاراتها منسقة في جسدي... لا أستطيع أن أكتب عن دمشق، دون أن
يعرش الياسمين على أصابعي.... ولا أستطيع أن أتذكرها دون أن يحط على جدار
ذاكرتي، ألف حمامة.. وتطير ألف حمامة... لقد بقيت دمشق محفورة في وجدانه،
لم تفارقه صورتها حتى وهو في ترحاله، وبعده عنها.... بل سرى عشقها في دمه:
أنا الدمشقي لو شرّحتم جسدي.... لسال منه عناقيد وتفاح... ولو فتحتم شراييني بمديتكم ، سمعتم في دمي أصوات من راحوا....
وفي قصيدته «ترصيع بالذهب على سيف دمشقي» تجده يقول ضمن أبياتها:
شام
ياشام، ايا اميرة حبي- كيف ينسى غرامه المجنون... اوقدي النار فالحديث
طويل ، وطويل لمن نحب الحنين... رضي الله والرسول عن الشام... فنصرآت وفتح
مبين.
لقد ساهم نزار قباني بكشف معطيات جديدة في حقيقة البيان والادب
لا ليكون حقيقة فنية يستمتع بها قليل من العرب المعاصرين من المتذوقين
للشعر والادب وإنما جاء ليحذو ركاب التغيير والتجديد والآمال والتطلعات .
ولقد
وضع نزار القصيدة على الشفاه لتترنم بها، بسّط لغته و«شعرن» الألفاظ
الملقاة على ألسنة الناس في الشارع، فجاءت لغته بسيطة، وقصيدته متدفقة
ومشاعره حارة لتعبر عن الانسان العربي البسيط وابتعد بقصائده عن
«اللوغاريتمات» الشعرية- ان نزار صاحب مدرسة متفردة فهو من الأوائل الذين
اختاروا الشعر الحر في عملهم الشعري، وقد اصبح خارج منافسة اي شاعر ذلك
لأن له جوه الخاص به فلا يقترب منه احد .
ولقد وجه نزار منذ اول
دواوينه : وقالت لي السمراء، الصادر في عام 1944 ، وجه طاقته الشعرية لقول
ما لم يقله شاعر في العصر الحديث عن المرأة، وقد تميز في ذلك بالجرأة في
الاقتراب من هذا « التابو» واختراق الخطوط الحمراء والقفز على الاسوار
والحواجز والتعبير عنها ببساطة وتلقائية والاحتفاظ بحرارة المشاعر
وسخونتها، فجاءت اشعاره طازجة واكثر صدقاً، وهو ما كفل لها سرعة الانتشار
والبقاء دوماً في الاذهان وفي متناول عشاقه كأغنيات بسيطة .
ان تاريخ
الشعر الحديث لم يعرف شاعراً اشكالياً قط كنزار قباني فهو بالرغم من بساطة
خطابه الشعري الا انه لايكتفي بالوقوف على حدود «التابو» التاريخي كما
اشرنا- فيتناول موضوعه الشعري بحرية ويفكر فيه كإنسان حر- ولقد عبر عن
قضايا الحب والجمال بمفاهيم جديدة منها ما يؤكد مسايرة ومواكبة متطلبات
العصر، ولكنه ظل الى جانب هذا، رجلاً ملهماً لهذه القيم الجديدة التي يدعو
اليها قيم الشعر والخير والجمال، واوجد له طبقة واسعة من الجماهير العربية
ونمّا فيها روح التذوق الفني والادبي وغرس فيها حباً دافقاً جديداً.
وقد
استلهم في معطياته الجديدة تلك تاريخه العربي - يقول نزار عن التشكيل
اللغوي وابتداع الصورة الشعرية في اعماله: الحقيقة ، ان اهم ما فعلته هو
انجازي الشعري اي اللغة التي كتبتها، وهذه اللغة لم تكن لغة بورجوازية ولا
متعالية عن الناس ، وإنما هي لغة الناس وإنني آليت على نفسي دائماً ان
أكون الناطق الرسمي والشعري باسم ملايين العرب لأنني اشتغلت على هذا
المشروع الكبير، واشتغلت له كثيراً، لأن الكثير من الشعراء يمتلكون اللغة
، ولكنني اردت ان تكون لي لغتي الخاصة، واللغة هي شغلي، اي يشتغلها
الانسان، كمثل الوردة يزرعها ويسقيها، ويعتني بها، حتى تتكون وكذلك اللغة،
ولذلك قاموسي الشعري هو الاساس، ويقولون ان شكسبير كان يمتلك اكثر من مئتي
لفظة استعملها في كل مسرحياته، إن الرائحة الشعرية هامة جداً بالنسبة
للشاعر... ويجب على الشاعر ان يشتغل على نفسه كشاعر حتى يكون دائماً على
المستوى الشعري والحضاري المطلوب منه:
اعوام تسعة مرت على الرحيل -
وها هي اعماله الخالدة باقية ، شامخة - ماتزال - تمجد عظمة صانعها ...وهذا
دائماً شأن الاعمال الراسخة العظيمة، ذات الجذور الاصيلة الضاربة في
الأعماق.
ومضات من مسيرة الياسمين الدمشقي
دمشق
العريقة، التاريخ، الحضارة، معقل النضال والعشق.... دمشق الشام
والعروبة.... أفرد لها نزار قباني، العديد من قصائده- منها على سبيل
المثال: «عصفورتان دمشقيتان»، و«موال دمشقي» وغيرهما الكثير كيف لا وهو
القائل:
أنا مسكون بدمشق... حتى حين لا أسكنها..
أولياؤها مدفونون
في داخلي.... حاراتها منسقة في جسدي... لا أستطيع أن أكتب عن دمشق، دون أن
يعرش الياسمين على أصابعي.... ولا أستطيع أن أتذكرها دون أن يحط على جدار
ذاكرتي، ألف حمامة.. وتطير ألف حمامة... لقد بقيت دمشق محفورة في وجدانه،
لم تفارقه صورتها حتى وهو في ترحاله، وبعده عنها.... بل سرى عشقها في دمه:
أنا الدمشقي لو شرّحتم جسدي.... لسال منه عناقيد وتفاح... ولو فتحتم شراييني بمديتكم ، سمعتم في دمي أصوات من راحوا....
وفي قصيدته «ترصيع بالذهب على سيف دمشقي» تجده يقول ضمن أبياتها:
شام
ياشام، ايا اميرة حبي- كيف ينسى غرامه المجنون... اوقدي النار فالحديث
طويل ، وطويل لمن نحب الحنين... رضي الله والرسول عن الشام... فنصرآت وفتح
مبين.
لقد ساهم نزار قباني بكشف معطيات جديدة في حقيقة البيان والادب
لا ليكون حقيقة فنية يستمتع بها قليل من العرب المعاصرين من المتذوقين
للشعر والادب وإنما جاء ليحذو ركاب التغيير والتجديد والآمال والتطلعات .
ولقد
وضع نزار القصيدة على الشفاه لتترنم بها، بسّط لغته و«شعرن» الألفاظ
الملقاة على ألسنة الناس في الشارع، فجاءت لغته بسيطة، وقصيدته متدفقة
ومشاعره حارة لتعبر عن الانسان العربي البسيط وابتعد بقصائده عن
«اللوغاريتمات» الشعرية- ان نزار صاحب مدرسة متفردة فهو من الأوائل الذين
اختاروا الشعر الحر في عملهم الشعري، وقد اصبح خارج منافسة اي شاعر ذلك
لأن له جوه الخاص به فلا يقترب منه احد .
ولقد وجه نزار منذ اول
دواوينه : وقالت لي السمراء، الصادر في عام 1944 ، وجه طاقته الشعرية لقول
ما لم يقله شاعر في العصر الحديث عن المرأة، وقد تميز في ذلك بالجرأة في
الاقتراب من هذا « التابو» واختراق الخطوط الحمراء والقفز على الاسوار
والحواجز والتعبير عنها ببساطة وتلقائية والاحتفاظ بحرارة المشاعر
وسخونتها، فجاءت اشعاره طازجة واكثر صدقاً، وهو ما كفل لها سرعة الانتشار
والبقاء دوماً في الاذهان وفي متناول عشاقه كأغنيات بسيطة .
ان تاريخ
الشعر الحديث لم يعرف شاعراً اشكالياً قط كنزار قباني فهو بالرغم من بساطة
خطابه الشعري الا انه لايكتفي بالوقوف على حدود «التابو» التاريخي كما
اشرنا- فيتناول موضوعه الشعري بحرية ويفكر فيه كإنسان حر- ولقد عبر عن
قضايا الحب والجمال بمفاهيم جديدة منها ما يؤكد مسايرة ومواكبة متطلبات
العصر، ولكنه ظل الى جانب هذا، رجلاً ملهماً لهذه القيم الجديدة التي يدعو
اليها قيم الشعر والخير والجمال، واوجد له طبقة واسعة من الجماهير العربية
ونمّا فيها روح التذوق الفني والادبي وغرس فيها حباً دافقاً جديداً.
وقد
استلهم في معطياته الجديدة تلك تاريخه العربي - يقول نزار عن التشكيل
اللغوي وابتداع الصورة الشعرية في اعماله: الحقيقة ، ان اهم ما فعلته هو
انجازي الشعري اي اللغة التي كتبتها، وهذه اللغة لم تكن لغة بورجوازية ولا
متعالية عن الناس ، وإنما هي لغة الناس وإنني آليت على نفسي دائماً ان
أكون الناطق الرسمي والشعري باسم ملايين العرب لأنني اشتغلت على هذا
المشروع الكبير، واشتغلت له كثيراً، لأن الكثير من الشعراء يمتلكون اللغة
، ولكنني اردت ان تكون لي لغتي الخاصة، واللغة هي شغلي، اي يشتغلها
الانسان، كمثل الوردة يزرعها ويسقيها، ويعتني بها، حتى تتكون وكذلك اللغة،
ولذلك قاموسي الشعري هو الاساس، ويقولون ان شكسبير كان يمتلك اكثر من مئتي
لفظة استعملها في كل مسرحياته، إن الرائحة الشعرية هامة جداً بالنسبة
للشاعر... ويجب على الشاعر ان يشتغل على نفسه كشاعر حتى يكون دائماً على
المستوى الشعري والحضاري المطلوب منه:
اعوام تسعة مرت على الرحيل -
وها هي اعماله الخالدة باقية ، شامخة - ماتزال - تمجد عظمة صانعها ...وهذا
دائماً شأن الاعمال الراسخة العظيمة، ذات الجذور الاصيلة الضاربة في
الأعماق.