<DIV align=center><div align=right><B>مدخل: إننا لن نتحدث هنا عن الثقافة بمعناها الأدبي الخاص الذي يذكرنا بالنشاط الفكري والعلمي الذي تقوم به النخبة المتعلمة، ولكن عن الثقافة بمعناها الاجتماعي، أي عن الثقافة بما هي تجسيد للجانب الاجتماعي المشترك من سلوك الإنسان واستجاباته لمختلف المواقف التي تعترض له في الحياة. ويقصد بالتواصل الثقافي قدرة كل ثقافة على التأثير والتأثر بثقافة أخرى نظيرة لها دون أن تغزوها وتكتسحها كليا ثم تقضي عليها، لأن كل ثقافة جادة وأصيلة تتمتع بقدرة من المناعة الثقافية، ويقصد بهذا استعصاء ثقافة ما على التغيير والاختراق بفعل ما تتمتع به من انغراس في الوعي واللاوعي، وفي السلوك والوجدان. وتكمن أهمية التواصل الثقافي في ما نلمسه من حضور أمازيغي في الثقافة الحسانية بالصحراء المغربية، ذلك أن هناك "اندماجا لغويا بين القبائل الأمازيغية والقبائل العربية التي استقدمها الموحدون. لكن الاندماج لم يطمس شواهد الماضي الدالة على الانتماءات الأصلية، بحيث نجد تلك الشواهد في معطيين إثنين، أولهما أسماء القبائل نفسها، وأسماء البطون وأسماء الإفراد أحيانا... وثانيهما هو المعجم اللغوي المستعمل لما يوجد فيه من المفردات الأمازيغية المعربة... ولا شك أن أفواج المهاجرين العرب حملت معها مفردات وأساليب تعبير أثرت في لغة الصحراء، لكنها لم تجردها من تراثها الأمازيغي المتمثل في ظواهر فونولوجية ومعجمية وتركيبية"(1). إذ "يغلب الظن أن نكون بصدد قبائل أمازيغية تعربت بشكل متفاوت. فلا الصفات لبدنية ولا أنماط العيش ولا اللغة تؤهل اليوم لتمييز الأمازيغ عن الأعراب، كما أن الاستعمال اللغوي لا يدل وحده على الانتماء إلى إحدى المجموعتين الإثنيتين... ذلك أن المصطلحات اللغوية المستعملة مثلا في المعايرة أو تقسيم الماء أو بالنسبة للأحواض المسقية تنغلق على عبارات ومفردات أمازيغية حتى لدى الناطقين بالحسانية. أما إذا تتبعنا التصنيفات العرقية المستعملة في تدوين القبائل أصبح حجم المفردات مقلوبا، فيمكن الإقرار، فيما عدا بعض الاستثناءات، بأمازيغية مجمل القبائل بنسب متفاوتة التهجين. وهذا ما ينم عن مفاهيم واصطلاحات أمازيغ معربين وأعراب ممزغين. فالناطقون بالأمازيغية ليسوا بالضرورة أمازيغ كما أن عادات وتقاليد مجمل الفرق الناطقة بالعربية تدل على أصل أمازيغي... وتفيد الروايات الشفوية أن كلمة "آيت" التي تتصدر في أغلب الحالات أسماء القبائل ومختلف تجزيئاتها إنما تفيد أمازيغية الارتباط"(2). و"ليس غريبا أن نجد مثلا أن اللهجة الحسانية التي تنطق بها المجموعات الإثنية الصحراوية الثلاث (تكنة، الركيبات والمور) هي لهجة قريبة من اللغة العربية الفصحى، ممزوجة بكلمات أمازيغية اللهجة السوسية خاصة"(3). و"لدى تلاوة الشعر الحساني تلمس أن المنشد يتلو عليك التفعيلات وليس الكلمات. فالوزن هو سيد الموقف... والوحدة الوزنية يقال لها "تفلويت"... وهي صيغة مغربية قحة نحتت بتأثير من الأمازيغية. وهذه إذا كانت شهادة إثبات على وحدة الموطن، فهي أيضا شهادة على التداخل، بل الانصهار بين ما هو عربي وأمازيغي في كل أمور حياتنا"(4<SPAN dir=ltr>).
المجتمع الموريتاني