قول الأستاذ عبد العظيم بدران : أخي المهندس العريس :وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير.
لقد
أثرت فيَّ كلماتك، وخاصة أنك حديث عهد بالزواج، وقد اضطرتك ظروف عملك إلى
الاغتراب عن عروسك التي تعاني مثلك من ألم الفراق. أسأل الله العظيم رب
العرش العظيم أن يهيئ لكما من أمركما رشدا.
أخي الحبيب:شممت
من بين ثنايا كلماتك أنك تفكر في ترك هذا العمل الشاق، الذي يضطرك إلى
الاغتراب عن زوجتك، لتعود إلى حيث تسكن هي، ولأنك تتقي الله في أعمالك فإن
الله سيجعل لك من أمرك مخرجا.
وإذا
عرضتَ كلماتك هذه على المنطق والعقل فربما كانت صحيحة ومتناسقة ومنطقية،
ولكن يجب أيضا أن تُعرض على الواقع الذي يفرض علينا أموراً لا يتحاشاها
الشرع، ولا تعارضها تقوى الله، بل إن الشرع والتقوى ما كانا إلا ليتعاملا
مع الواقع.
إنني
في إجابتي عليك سأتطرق معك إلى بعض الجوانب التي قد تكون غائبة أو مغيبة
عنك، في غمرة الألم الذي تشعر به، والحنين الذي يتملكك. وبالطبع أنا أعذرك
في هذا كثيرا، وأسأل الله أن أكون لك ناصحا أمينا.
أخي مهندس البترول:هل
تعلم أن كثيرا من الشبان يحسدونك – أو يغبطونك – على ما أنت فيه؛ لأنهم لا
يجدون الوظيفة المناسبة التي تلبي احتياجاتهم المادية، أو التي تناسب
مؤهلاتهم التعليمية الجامعية، أو التي لا تتفق مع ميولهم ورغباتهم النفسية
والاجتماعية. بالطبع لا يخفى عليك هذا، خاصة في عالمنا العربي الذي تضج
فيه المجتمعات بالبطالة، وتكتوي بنارها صباح مساء.
ومن
دون شك، فإن الشركة التي تعمل بها تتيح لك في كل شهر إجازة كافية للإقامة
مع أهلك، وحسب علمي فإن الأعمال التي تشبه ما أنت فيه تعطي إجازات معقولة،
لا تقل عن أسبوع كامل في الشهر، وقد تصل إلى أسبوعين، فهل يمكنك أن تستكفي
بهذا حتى يهيئ الله تعالى لك مما أنت رشدا ومخرجا.
إذا
نظرت أخي الحبيب إلى أمورك من عدة نواح، فستجد أن كفة العطاء عندك راجحة
على كفة الحرمان.. أليس كذلك؟. نعم، الشوق صعب ومرير، ولا يمكن لغيرك أن
يشعر بحرارة ما تجده بين جوانحك؛ كيف والشاعر يقول، وهو صادق فيما قال:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده *** ولا الصبابة إلا من يعانيها
لقد
من الله عليك بأن تخرجت مهندسا، ثم زوجك الله فتاة تحبها وتحبك، وتشتاق
إليها وتشتاق إليك، ورزقك وظيفة من أفضل الوظائف، على ما فيها من صعوبة،
ومنَّ عليك بالتدين والالتزام، أسأل الله العظيم أن يزيدك والمسلمين
أجمعين من فضله العظيم، ثم شاء الله أن يختبرك في العواطف، اختبارا يسيرا،
هينا، مؤقتا، حيث تهيج عواطفك وينشغل فكرك، وتزاحم الأشواق أوقات عبادتك
وأعمال دعوتك.. ولهذا تريد أن تُسكت هذه الأشواق، وتقطع أسبابها، والحل –
كما تفكر أنت – أن تترك ما أنت فيه، وتعود لتقيم مع أهلك إقامة كاملة،
ولأنك تتقي الله فسيجعل الله لك مخرجا، ولن يتخلى عنك.
ما رأيك في هذا التصور الذي أعيد طرحه عليك .. إنه تصورك أنت؟!.
إنني
أتساءل معك الآن : هل تعني تقوى الله أن يقصر الإنسان في طلب الرزق،
ويتأخر عنه لمجرد أنه يجد مشقة من نوع ما؟. اعتمادا منه على أن الله سيجعل
له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ؟!.
لعلي
لست في حاجة إلى توضيح أن طلب الرزق والاستغناء عن الناس، بل وطلب المال
والغنى من أجل التوسعة على النفس والأهل والأرحام والفقراء والمساكين
والمشاريع الخيرية، والتقوِّى بهذا المال لكافة أنواع العبادات، من أداء
مناسك الحج والعمرة، وإنفاقه في كافة وجوه الخير التي لا حدود لها.. كل
هذا يا أخي يعد من تقوى الله حقا، إذا صحت فيه نيتك، وصدق توجهك وإخلاصك.
نعم..
يجب أن نصحح هذا المفهوم الذي يلبسه علينا إبليس وهو ألا نسعى لتملك
المال، طلبا للزهد والاستغناء بالقليل. إن من الأنبياء من ضاقت بأموالهم
الوديان، ومنهم خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، ومن الأنبياء من كانوا
ملوكا، ومنهم داود وسليمان، ومن الصحابة من امتلكوا من الثروات الطائلة
والهائلة ما أدهش الجميع، والسيرة والتاريخ خير منبئ عن كل هذا.
أخي المهندس الحبيب :اصبر،
ولن يطول صبرك طويلا، استأنس بذكر الله، ولا تنزعج من مزاحمة الشوق لك في
أوقات عبادتك ودعوتك، لا بأس في هذا إذا كنت تجتهد في دفعه في هذه
الأوقات، والتمس لنفسك من الوسائل ما يخفف عنك هذا، من وسائل اتصال، أو
مراسلات، أو ما شابه ذلك، واطلب من زوجتك أن تحتسب هذا معك في سبيل الله،
وفي سبيل الاستغناء عن السؤال، ولتعلم أنه "كفى بالمرء إثما أن يضيع من
يقوت"، كما قال الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وانظر لحالك إذا فعلت
ما أقدمت عليه، ثم لم تتح لك ظروف عمل مناسبة، هل ستكون حالك أفضل؟!.
لقد ذكرتني رسالتك هذه بسيدنا بلال بن أبي رباح، رضي الله عنه، حينما اشتاق إلى مكة، بعيد هجرته إلى المدينة، فقال:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة *** بوادٍ وحولي إذخِر وجليلُ
وهل أردن يوما مياه مجنة *** وهل يبدون لي شامةٌ وطفيلُ
وحين
بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا وقال: "اللهم حبب إلينا المدينة
كحبنا مكة أو أشد". فما رأيك بمثل هذا الدعاء، وأن تداوم على صلاة الحاجة
حتى يهيئ الله لك من أمرك رشدا، ويجمع شملك مع أهلك. أسأل الله لي ولك
التوفيق والسداد، وتابع معنا.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري : شكر الله تعالى لأخي الحبيب عبد العظيم بدران ما كتبه لك، وليسمح لي أن أضيف بعض السطور القليلة، ابتغاء الأجر والثواب.
أخي الفاضل:
مشكلتك فيها شقان : 1- شق عاطفي اجتماعي،
وهو الشوق والحنين الذي بينك وبين زوجك، وهذا شيء فطري جميل، و ياليت كل
الأزواج مثلكما شوقا وحنينا، ونرجو أن تستمر هذه العاطفة الجميلة بينكما
دائما إن شاء الله.
2-
شق مادي،
وهو الذي يختلف موقف كل إنسان منه، فمن الناس من لا يستغني عن مستوى معين
من المعيشة، ولا يمكن أن يتنازل عنه، ومنهم من يقدم الشوق والحنين واللقاء
عن هذه المادة، وأنها ليست كل شيء في الحياة، وقد يكون من التفكير الصبر
سنة أو اثنتين حتى تستقر الأمور، أو غيرها من الأطروحات التي يجب أن تفكر
فيها جيداً مع زوجتك، وأن تطرحوا هذه الأفكار كلها، وأن تنظروا الأصوب
منها، نظرا إلى المصالح والمفاسد، وما غلبت مصلحته على مفسدته قدم، وقد
يكون الأولى درء المفاسد فيقدم على جلب المصالح، وهذا يختلف من إنسان لآخر.
ولكن
لا أفهم، ألا يمكن لك أن تعيش في مسكن قد يكون بعيدا شيئا ما عن موقعك
الذي تعمل فيه، بحيث تكون زوجتك معك، حتى لو كان يبعد عن المدينة التي أنت
فيها عددا من الكيلومترات، لكن أن تكون معك في البلد الذي تعيش فيه، أو
تكون الزيارات التي تنزلها إلى أهلك بنسبة أكبر، وأحسب أن المسافة بين
البلدين ليست مثلها كالبلاد الأخرى، فقد تنزل كل شهرين أو ثلاثة، قد تنزل
ثلاث مرات أو أربع في السنة، وقد تتنازل عن بعض الأشياء المادية مقابل هذا
النزول.
وقد
يكون مع هذا أيضا وسائل اتصال حديثة، وما أكثرها، إن كانت مجدية، وإن رأيت
أنك مضرور ولا طاقة لك على الصبر، ولا يمكن لك أن تجعل زوجتك قريبة منك،
ويمكن لك أن تعيش بمستوى أقل، حتى تجد مكانا آخر قريبا، أو مكانا يمكن أن
تكون زوجتك معه، ففكر في تركه، والمستشار ليس شرطا أن يعطي من استشاره
رأيا واحدا، بل إن فتح الخيارات أمام الإنسان أولى، ومشاركة صاحب الأمر
واتخاذه القرار الأنسب له أهم، لأنه أدرى الناس بحاجة وحاجته، وإنما
مشورتنا خطوة وسعي لتبصير الطريق لك، لتختار الأوفق لنفسك، والأهدأ لبالك،
والأنفع لحياتك، ولا تنس أن ستستخير الله تعالى، عسى أن يهديك سواء السبيل.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وقدر لك ما يصلح شأن دينك ودنياك، وتابعنا بأخبارك.