عداد - نبيل شبيب
غلاف كتاب "حرب مقدسة في أوروبا"
المعتاد في تقريظ أحد الكتب أن يشمل فيما يشمل بيان إيجابياته وسلبياته، ولا يمكن هذا مع كتاب "حرب مقدسة في أوروبا"، الصادر بالألمانية عام 2007م، مواكبا لما وصلت إليه جهود "الحوار" و"التفاهم" بما في ذلك ما يُطرح من تصورات حول "اندماج" المسلمين في ألمانيا، سواء كانوا من أهل البلاد الأصليين، أو مواليد الوافدين قديما. والجهاد هو المقصود بكلمة "حرب مقدسة" الواردة في عنوان الكتاب، وفق ما كان يسود من ترجمة منحرفة ومضللة للكلمة العربية، رغم أن الكاتب أودو أولفكوتي (Udo Ulfkotte) يدرك ذلك، كما يظهر في ثنايا الكتاب، ولكن تأكيده صحة ما أصبح معروفا نسبيا، أن كلمة "جهاد" تعني بذل الجهد في مختلف الميادين، وليس القتال فقط، لا يقصد به إقرارا بخطأ ربط الإسلام بالعنف تحت عنوان "الإسلام دين السيف"، بل يعني ضرورة مواجهة كل مظهر من مظاهر بذل الجهد السلمي لغاية إسلامية، فهي أيضا جزء من "الحرب المقدسة"!.
هو باختصار كتاب من العسير العثور على إيجابيات فيه، رغم الحرص على البحث عنها في الحديث عنه، لدرء شبهة التحامل على كاتبه، وهي شبهة يطلقها الكاتب نفسه، بأسلوب استباقي (!) إذ يعتبر كل اعتراض من طرف مسلم على ما ينشره شخص أو جهة من نقد للإسلام، تحريضا مقصودا لنشر الخوف من ممارسة النقد ووصمه بأنه "تحامل وعداء وثمرة من ثمرات الخوف المرضي من الإسلام"!.
لا يفيد في مثل هذه الحالة أن يؤكد كاتب أو إعلامي - ككاتب هذه السطور - وهو يتابع مثل هذا الكتاب، أنه لا ينتمي إلى الإخوان ولا إلى سواهم من التنظيمات، وأن هدفه من الحديث عن مثل هذا الكتاب هو لفت الأنظار إلى خطورة ما فيه والقليل من أمثاله - في ساحة "التوعية" - من تحريض على الإسلام وليس على التنظيمات الإسلامية فحسب.
فإلى جانب التحريض يحرص مؤلف الكتاب – بالأسلوب الاستباقي المشار إليه - إلى التشكيك في النوايا أيضا، لسد منافذ أية رؤية موضوعية، ومن ذلك قوله عن الإخوان المسلمين في الفصل الذي يحمل اسم التنظيم ويصفه بالسرية، إنه يوجب على أعضائه باستثناء القيادة أن ينكروا بشدة انتماءهم إليه، فما جدوى "الإنكار!" من جانب كاتب إعلامي أو طرف من أطراف الحوار إذن؟.
ويدرك أصحاب الاختصاص على صعيد دراسة الظاهرة الإسلامية عموما، كما يدرك أصحاب الاهتمام من منظور سياسي أو حتى أمني، خواء هذا التشكيك، ولكن الكتاب موجه إلى عامة القراء، لا سيما من غير ذوي الاطلاع والوعي، فالمطلوب من المواطن الألماني وربما الأوروبي عموما:
- أن يرى في كل مسلم ناشط أو متدين، من عامة المواطنين المسلمين في أوروبا، عضوا في تنظيم الإخوان المسلمين، يكتم عضويته.
- ثم أن يرى في هذه العضوية المزعومة صلة ما بأعمال إرهابية ومخططات سرية، وأخطارا على الوجود الغربي نفسه.
- ثم تعميم ذلك على كل ما له علاقة بالإسلام، ففي الكتاب ما يؤكد استحالة أن يصدر عمن يتبنى الإسلام عقيدة ومنهجا سوى ذلك التطلع للسيطرة على الآخر بالقوة، بما في ذلك ما يسميه المؤلف حربا مقدسة، ويبين أن مقصده هو كلمة "الجهاد" التي أصبحت متداولة بحروفها العربية.
هذا التسلسل هو محور فصول الكتاب جميعا، وعندما يجتمع التحريض مع التشكيك على هذا النحو، لا يمكن وصف كتاب من هذا القبيل إلا أنه صورة متدنية من صور "التحريض" ضد المسلمين ووجود الإسلام، وصيغة من صيغ إثارة "حرب غير مقدسة" بينهم وبين الغالبية من المواطنين الأوروبيين.
يضم الكتاب مقدمة وستة فصول، يحمل أولها عنوان "الهلال فوق أوروبا" ليستعرض عددا من المشاهد التي أثارت الجدل خلال الفترة الأخيرة، ليضعها واحدة بعد الأخرى في نطاق نظرية مؤلفه، أن المسلمين يصطنعون "الخوف المَرَضي من الإسلام" لانتزاع التنازلات بتأثير محاولة الأوروبيين دفع التهمة عن أنفسهم، مثال ذلك الإساءة الكاريكاتورية، فهي ضجة مصنوعة صنعا، ومثال آخر انتقاد الإساءة البابوية فهو تحريض، ومقابل ذلك أصبح الأوروبيون يقدمون "الطاعة الاستباقية" كما يسميها، ومثالها إلغاء عرض أوبرا في برلين خوفا مما فيها من إساءة للأنبياء، ومنهم محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين.
ومع كل فقرة من هذه الفقرات يسعى الكاتب لربط اسم من الأسماء الناشطة إسلاميا بتنظيم الإخوان، ولكن الأهم لديه هو ربط ذلك بالإسلام، وهذا ما يتبين بوضوح في الفصل الثاني تحت عنوان "كنتم خير أمة"، فهذا عنده هو مصدر الاستعلاء، وبالتالي فرض هذا الاستعلاء بأية وسيلة، والدعوة إلى الدولة الإسلامية دعوة إلى "ديكتاتورية دينية"، و"الزعم القائل إن الإسلام دين التسامح ليس إلا دعاية كما يظهر عند التأمل فيه".. وهكذا.
بل يربط الكاتب حتى حزب التحرير وجماعة التبليغ بتنظيم الإخوان، ولا غرابة أن يصل إلى ربط تنظيم القاعدة به أيضا، وهو على ما يبدو الغاية الأساسية من الكتاب، فالتخويف من الإسلام هو في الحصيلة تخويف من عمليات إرهابية، ويجري استغلاله للقول إن كل تنظيم أو عمل إسلامي - لا سيما الأنشطة الاقتصادية والمالية والتجارية التي خُصِّص لها فصل قائم بذاته - هي جميعا وإن بقيت أعمالها في إطار "القانون والوسائل السلمية"، جزء من مخطط "خطير" واسع النطاق، له وجوه متعددة، فلا ينبغي أن يؤمن لأي نشاط يحمل عنوانا إسلاميا، ولا أن "تنزلق" أوروبا إلى أيّ انفتاح سيؤدي إلى "إخضاعها".
ولا غرابة أن يجد الكاتب في شخص "بسام طيبي" الشخص المناسب لتقديم الكتاب، إذ يحاول الأخير محاولة ضعيفة فصل نقد الأنشطة الإسلامية عن نقد الإسلام نفسه، ليعزز ما ذهب إليه الكاتب من أن تنظيم الإخوان هو التنظيم الهادف لتفريغ الديمقراطية من مضمونها، وهو التنظيم الأم لجميع ما عداه "بدءا بتنظيم القاعدة حتى منظمة المقاومة الإسلامية حماس". وبسام الطيبي "الأستاذ الجامعي"، معروف بتحامله دون انقطاع على العمل الإسلامي في الغرب، واعتباره خطرا على "الديمقراطية"، بأسلوب فج وإن زعم المنهج العلمي في البحث، إلى درجة جعلت معظم أصحاب التخصص من مستشرقين وسواهم ينأون بأنفسهم عنه.
ولكن خطورة الكتاب تكمن في أنه ليس موجها للنخبة، وإنما للعامة من القراء، ويسري عليه ما يسري على مقالات إعلامية ومواقف عديدة بأساليب مشابهة، فعدم الاطلاع على الإسلام بدرجة كافية، ناهيك عن الاطلاع على حقيقة المنظمات الإسلامية الرصينة، أو تلك التي تحمل اسم الإسلام وتنحرف عن طريقه، هو التربة التي تسمح بنشر تصورات "مرعبة" للتخويف من الإسلام على مستقبل أوروبا، يمكن أن تؤثر على الرأي العام سلبا، كما يشهد تطور نتائج عمليات استطلاع الرأي في العقد الأول من القرن الميلادي الحادي والعشرين.
لا تكفي هنا مواجهة كل حالة على حدة، وللإيجاز يمكن الاقتصار على إيراد مثالين:
المثال الأول من الكتاب نفسه، شخص يدعى هانس بيتر راداتس، معروف بكتاباته العدائية للإسلام والمسلمين، قال عنه الناشط التركي الأصل يافوس أوزوجوز: "إن كان السيد راداتس داعية للكراهية وكاذبا فسيجد عقابه لدى الله الخالق القدير"، ووصل ذلك إلى القضاء تحت عنوان "تحريض على القتل"، وخسر الكاتب دعواه رغم استئنافها أمام أعلى الهيئات القضائية المختصة، ولكن القضية بحد ذاتها – كأمثالها - تستخدمها عينة المحرضين على الإسلام، كما هو الحال مع هذا الكتاب، للتأكيد مثلا أن تأثير "التخويف" وصل حتى إلى سلطة القضاء.
المثال الثاني من التاريخ القريب، عن المراسل والكاتب الإعلامي جيرهارد كونسلمان، الذي كان يُستشهد به لسنوات عديدة باعتباره "خبيرا" في شؤون الإسلام والمسلمين، ولم ينقطع عن التحريض مع "الكذب"، مما حفل به بضعة عشر كتابا له، حتى كشف أمره المستشرق الألماني "نوت" من هامبورج في تقرير علمي مطول، فسقط إعلاميا، ولكن وسائل الإعلام لم تلبث أن أتت بالبديل عنه، فلم تنفتح الوسائل الإعلامية على بعض المنصفين من غير المسلمين وبعض الناشطين إسلاميا إلا حديثا.
إن مواجهة هذه النماذج لا تتحقق دون أن يصبح التعريف بالإسلام والمسلمين وقضاياهم في ساحة الرأي العام ببلد كألمانيا على مستوى مؤثر، بلغة أهلها، التي تعتبر الأولى من حيث تعداد الناطقين بها أوروبيا، وهذا ما يتطلب بذل جهود مكثفة متواصلة، لا تزال دون المستوى المطلوب، لنقص الإمكانات الذاتية للمسلمين في ألمانيا نفسها.
غلاف كتاب "حرب مقدسة في أوروبا"
المعتاد في تقريظ أحد الكتب أن يشمل فيما يشمل بيان إيجابياته وسلبياته، ولا يمكن هذا مع كتاب "حرب مقدسة في أوروبا"، الصادر بالألمانية عام 2007م، مواكبا لما وصلت إليه جهود "الحوار" و"التفاهم" بما في ذلك ما يُطرح من تصورات حول "اندماج" المسلمين في ألمانيا، سواء كانوا من أهل البلاد الأصليين، أو مواليد الوافدين قديما. والجهاد هو المقصود بكلمة "حرب مقدسة" الواردة في عنوان الكتاب، وفق ما كان يسود من ترجمة منحرفة ومضللة للكلمة العربية، رغم أن الكاتب أودو أولفكوتي (Udo Ulfkotte) يدرك ذلك، كما يظهر في ثنايا الكتاب، ولكن تأكيده صحة ما أصبح معروفا نسبيا، أن كلمة "جهاد" تعني بذل الجهد في مختلف الميادين، وليس القتال فقط، لا يقصد به إقرارا بخطأ ربط الإسلام بالعنف تحت عنوان "الإسلام دين السيف"، بل يعني ضرورة مواجهة كل مظهر من مظاهر بذل الجهد السلمي لغاية إسلامية، فهي أيضا جزء من "الحرب المقدسة"!.
هو باختصار كتاب من العسير العثور على إيجابيات فيه، رغم الحرص على البحث عنها في الحديث عنه، لدرء شبهة التحامل على كاتبه، وهي شبهة يطلقها الكاتب نفسه، بأسلوب استباقي (!) إذ يعتبر كل اعتراض من طرف مسلم على ما ينشره شخص أو جهة من نقد للإسلام، تحريضا مقصودا لنشر الخوف من ممارسة النقد ووصمه بأنه "تحامل وعداء وثمرة من ثمرات الخوف المرضي من الإسلام"!.
استهداف الإسلام عبر الإخوان
للكتاب عنوان جانبي يبين الوسيلة التي يتبعها مؤلفه للتحذير من كل ما هو إسلامي، والعنوان الجانبي هو "خطر تنظيم الإخوان المسلمين على مجتمعنا" فالتنظيم - كما ورد أكثر من مرة في الكتاب - هو في نظر المؤلف "الخلية النواة للنسبة الأعظم من المنظمات الإرهابية حاليا".لا يفيد في مثل هذه الحالة أن يؤكد كاتب أو إعلامي - ككاتب هذه السطور - وهو يتابع مثل هذا الكتاب، أنه لا ينتمي إلى الإخوان ولا إلى سواهم من التنظيمات، وأن هدفه من الحديث عن مثل هذا الكتاب هو لفت الأنظار إلى خطورة ما فيه والقليل من أمثاله - في ساحة "التوعية" - من تحريض على الإسلام وليس على التنظيمات الإسلامية فحسب.
فإلى جانب التحريض يحرص مؤلف الكتاب – بالأسلوب الاستباقي المشار إليه - إلى التشكيك في النوايا أيضا، لسد منافذ أية رؤية موضوعية، ومن ذلك قوله عن الإخوان المسلمين في الفصل الذي يحمل اسم التنظيم ويصفه بالسرية، إنه يوجب على أعضائه باستثناء القيادة أن ينكروا بشدة انتماءهم إليه، فما جدوى "الإنكار!" من جانب كاتب إعلامي أو طرف من أطراف الحوار إذن؟.
ويدرك أصحاب الاختصاص على صعيد دراسة الظاهرة الإسلامية عموما، كما يدرك أصحاب الاهتمام من منظور سياسي أو حتى أمني، خواء هذا التشكيك، ولكن الكتاب موجه إلى عامة القراء، لا سيما من غير ذوي الاطلاع والوعي، فالمطلوب من المواطن الألماني وربما الأوروبي عموما:
- أن يرى في كل مسلم ناشط أو متدين، من عامة المواطنين المسلمين في أوروبا، عضوا في تنظيم الإخوان المسلمين، يكتم عضويته.
- ثم أن يرى في هذه العضوية المزعومة صلة ما بأعمال إرهابية ومخططات سرية، وأخطارا على الوجود الغربي نفسه.
- ثم تعميم ذلك على كل ما له علاقة بالإسلام، ففي الكتاب ما يؤكد استحالة أن يصدر عمن يتبنى الإسلام عقيدة ومنهجا سوى ذلك التطلع للسيطرة على الآخر بالقوة، بما في ذلك ما يسميه المؤلف حربا مقدسة، ويبين أن مقصده هو كلمة "الجهاد" التي أصبحت متداولة بحروفها العربية.
هذا التسلسل هو محور فصول الكتاب جميعا، وعندما يجتمع التحريض مع التشكيك على هذا النحو، لا يمكن وصف كتاب من هذا القبيل إلا أنه صورة متدنية من صور "التحريض" ضد المسلمين ووجود الإسلام، وصيغة من صيغ إثارة "حرب غير مقدسة" بينهم وبين الغالبية من المواطنين الأوروبيين.
يضم الكتاب مقدمة وستة فصول، يحمل أولها عنوان "الهلال فوق أوروبا" ليستعرض عددا من المشاهد التي أثارت الجدل خلال الفترة الأخيرة، ليضعها واحدة بعد الأخرى في نطاق نظرية مؤلفه، أن المسلمين يصطنعون "الخوف المَرَضي من الإسلام" لانتزاع التنازلات بتأثير محاولة الأوروبيين دفع التهمة عن أنفسهم، مثال ذلك الإساءة الكاريكاتورية، فهي ضجة مصنوعة صنعا، ومثال آخر انتقاد الإساءة البابوية فهو تحريض، ومقابل ذلك أصبح الأوروبيون يقدمون "الطاعة الاستباقية" كما يسميها، ومثالها إلغاء عرض أوبرا في برلين خوفا مما فيها من إساءة للأنبياء، ومنهم محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين.
ومع كل فقرة من هذه الفقرات يسعى الكاتب لربط اسم من الأسماء الناشطة إسلاميا بتنظيم الإخوان، ولكن الأهم لديه هو ربط ذلك بالإسلام، وهذا ما يتبين بوضوح في الفصل الثاني تحت عنوان "كنتم خير أمة"، فهذا عنده هو مصدر الاستعلاء، وبالتالي فرض هذا الاستعلاء بأية وسيلة، والدعوة إلى الدولة الإسلامية دعوة إلى "ديكتاتورية دينية"، و"الزعم القائل إن الإسلام دين التسامح ليس إلا دعاية كما يظهر عند التأمل فيه".. وهكذا.
الكل في سلة الإخوان
يسعى الكاتب في الفصول الرئيسية من الكتاب لربط نظريته عن الإسلام بالإخوان من جهة، ومن خلالهم بكل تنظيم من التنظيمات الإسلامية الأخرى دون استثناء، مؤكدا أن منبع فكرها هو فكر الإخوان، مع التوقف وقفة أطول عند كل من حسن البنا، وسيد قطب، وعبد الله عزام، وطارق رمضان، ليؤكد وجود "خطة سرية لإخضاع أوروبا"، تتبع وسائل متعددة، ويركز - للتشكيك في جميع مظاهر العمل الإسلامي - على "وسيلة اصطناع واجهات" لتنظيم الإخوان دون أن تحمل الاسم مباشرة، وهو ما يوصل - وفق منطق الكاتب – لسريان التشكيك بذلك على جميع التنظيمات الناشئة أوروبيا، كاتحاد المنظمات الإسلامية، والهيئات التي عرفت بمواقف دعم الاندماج في أوروبا، مثل المجلس الإسلامي في أوروبا، ومجلس الإفتاء الأوروبي.بل يربط الكاتب حتى حزب التحرير وجماعة التبليغ بتنظيم الإخوان، ولا غرابة أن يصل إلى ربط تنظيم القاعدة به أيضا، وهو على ما يبدو الغاية الأساسية من الكتاب، فالتخويف من الإسلام هو في الحصيلة تخويف من عمليات إرهابية، ويجري استغلاله للقول إن كل تنظيم أو عمل إسلامي - لا سيما الأنشطة الاقتصادية والمالية والتجارية التي خُصِّص لها فصل قائم بذاته - هي جميعا وإن بقيت أعمالها في إطار "القانون والوسائل السلمية"، جزء من مخطط "خطير" واسع النطاق، له وجوه متعددة، فلا ينبغي أن يؤمن لأي نشاط يحمل عنوانا إسلاميا، ولا أن "تنزلق" أوروبا إلى أيّ انفتاح سيؤدي إلى "إخضاعها".
ولا غرابة أن يجد الكاتب في شخص "بسام طيبي" الشخص المناسب لتقديم الكتاب، إذ يحاول الأخير محاولة ضعيفة فصل نقد الأنشطة الإسلامية عن نقد الإسلام نفسه، ليعزز ما ذهب إليه الكاتب من أن تنظيم الإخوان هو التنظيم الهادف لتفريغ الديمقراطية من مضمونها، وهو التنظيم الأم لجميع ما عداه "بدءا بتنظيم القاعدة حتى منظمة المقاومة الإسلامية حماس". وبسام الطيبي "الأستاذ الجامعي"، معروف بتحامله دون انقطاع على العمل الإسلامي في الغرب، واعتباره خطرا على "الديمقراطية"، بأسلوب فج وإن زعم المنهج العلمي في البحث، إلى درجة جعلت معظم أصحاب التخصص من مستشرقين وسواهم ينأون بأنفسهم عنه.
نقص الإمكانات الإسلامية تجاه التحريض
صحيح أن هذا النموذج من التحريض لا يجد صدى يستحق الذكر عند النخبة من ذوي الاهتمام بالإسلام والمسلمين، بل على النقيض من ذلك، فمع وجود مواقف التخوف من الإسلام وانتشاره في أوروبا وفي الغرب عموما، ووجود مساع حثيثة على طريق ما يمكن وصفه بعلمنة الإسلاميين، يمثل التحريض المكشوف بحجج ضعيفة منقصة هي السبب - كما سبقت الإشارة - في نأي تلك النخبة بنفسها عن مقولات مشابهة من مثل مقولات بسام الطيبي.ولكن خطورة الكتاب تكمن في أنه ليس موجها للنخبة، وإنما للعامة من القراء، ويسري عليه ما يسري على مقالات إعلامية ومواقف عديدة بأساليب مشابهة، فعدم الاطلاع على الإسلام بدرجة كافية، ناهيك عن الاطلاع على حقيقة المنظمات الإسلامية الرصينة، أو تلك التي تحمل اسم الإسلام وتنحرف عن طريقه، هو التربة التي تسمح بنشر تصورات "مرعبة" للتخويف من الإسلام على مستقبل أوروبا، يمكن أن تؤثر على الرأي العام سلبا، كما يشهد تطور نتائج عمليات استطلاع الرأي في العقد الأول من القرن الميلادي الحادي والعشرين.
لا تكفي هنا مواجهة كل حالة على حدة، وللإيجاز يمكن الاقتصار على إيراد مثالين:
المثال الأول من الكتاب نفسه، شخص يدعى هانس بيتر راداتس، معروف بكتاباته العدائية للإسلام والمسلمين، قال عنه الناشط التركي الأصل يافوس أوزوجوز: "إن كان السيد راداتس داعية للكراهية وكاذبا فسيجد عقابه لدى الله الخالق القدير"، ووصل ذلك إلى القضاء تحت عنوان "تحريض على القتل"، وخسر الكاتب دعواه رغم استئنافها أمام أعلى الهيئات القضائية المختصة، ولكن القضية بحد ذاتها – كأمثالها - تستخدمها عينة المحرضين على الإسلام، كما هو الحال مع هذا الكتاب، للتأكيد مثلا أن تأثير "التخويف" وصل حتى إلى سلطة القضاء.
المثال الثاني من التاريخ القريب، عن المراسل والكاتب الإعلامي جيرهارد كونسلمان، الذي كان يُستشهد به لسنوات عديدة باعتباره "خبيرا" في شؤون الإسلام والمسلمين، ولم ينقطع عن التحريض مع "الكذب"، مما حفل به بضعة عشر كتابا له، حتى كشف أمره المستشرق الألماني "نوت" من هامبورج في تقرير علمي مطول، فسقط إعلاميا، ولكن وسائل الإعلام لم تلبث أن أتت بالبديل عنه، فلم تنفتح الوسائل الإعلامية على بعض المنصفين من غير المسلمين وبعض الناشطين إسلاميا إلا حديثا.
إن مواجهة هذه النماذج لا تتحقق دون أن يصبح التعريف بالإسلام والمسلمين وقضاياهم في ساحة الرأي العام ببلد كألمانيا على مستوى مؤثر، بلغة أهلها، التي تعتبر الأولى من حيث تعداد الناطقين بها أوروبيا، وهذا ما يتطلب بذل جهود مكثفة متواصلة، لا تزال دون المستوى المطلوب، لنقص الإمكانات الذاتية للمسلمين في ألمانيا نفسها.