قبل أسابيع كنت أشاهد المحطات الفضائية العراقية ففوجئت أن اغلبها ينقل خبر مظاهرات فرح عارمة تطوف الشوارع في المدن العراقية الرئيسة حاملة أعلام العراق، فاعتقدت أن حدثا سياسيا كبيرا قد حدث، ودفع الناس لمسيرات الفرح العارمة، لأكتشف أن هذه الحفلة العراقية الصاخبة كانت بسبب فوز فريق مدينة كربلاء على احد الفرق القطرية في مباراة لكرة القدم. ويوم أمس الأول لم تهتم المحطات الفضائية العراقية بأخبار التفجيرات والأزمات السياسية فقد كان الجميع مشغولا بمسيرات عارمة في الشوارع تحمل الأعلام العراقية من البصرة إلى كركوك وكان السبب فوز فتاة عراقية في برنامج «ستار أكاديمي» التلفزيوني، واللافت أن العراقيين بكافة طوائفهم أنفقوا خمسة ملايين دولار نظير سبعة ملايين مكالمة أجروها مع البرنامج التلفزيوني للتصويت للفتاة العراقية للفوز باللقب. كيف ينفق العراقيون ملايين الدولارات من اجل فوز فتاة عراقية ببرنامج تلفزيوني وهم يعيشون بطالة وضائقة مادية؟ كيف ينجح فريق كرة قدم يمثل مدينة عراقية وليس المنتخب العراقي في إثارة كل هذه الأجواء من الاحتفال والفرح؟ كيف تتصدر أخبار الفتاة العراقية كل أخبار الانفجارات وتظل صورتها تتكرر في معظم المحطات الفضائية العراقية أكثر من صور كل الزعماء السياسيين وزعماء الطوائف والمليشيات.؟! لا يمكن للإنسان أن يجد تفسيرا لهذه الظاهرة سوى أنها نوع من التشبث بالحياة، والبحث عن الأمل الذي يوحد الناس وسط دخان التفجيرات الإجرامية، ووسط جثث الذين يقتلون على الهوية الطائفية..! العراقيون الذين يلتحفون علم العراق محتفلين في الشوارع يريدون أن ينقلوا رسالة مفادها أن الوطن فوق الطوائف، والعراقيون الذين صرفوا من مدخراتهم خمسة ملايين دولار للتصويت لفتاة عراقية، ولدت وعاشت في المغرب من أم مغربية وأب مهاجر، كانوا ينقلون رسالة تعاطف لبعضهم البعض. يريدون أن يرسلوا رسالة لكل مدينة وقرية عراقية أن العراق اكبر من أن يكون بلد طائفة واحدة، أو قومية واحدة، أو مذهب واحد، كان العراقيون يبحثون عن أي انتصار ولو كان رمزيا يواجهون به هزائم الموت والدمار..! وهذا أمر مفهوم .
المجتمع الموريتاني