متدينة وعلى خلق.. لكن نحيف

بسم الله الرحمن الرحيم



المشكلة- بإذن الله- بسيطة جداً، ولكنني أريد الاستشارة.



فقد كنت أحب بنت، ووعدتها بالزواج، ولكن بعد فترة غيرت رأيي، لأنها كانت "نحيفة"، رغم تدينها وتميزها بالأخلاق، ثم بدأت أفكر في البحث عن فتاة أخرى، لا تكون نحيفة، على أن تكون- أيضاً- متدينة ومتميزة أخلاقياً.



المهم أنني في حيرة من أمري، ولا أستطيع حسم الأمر، فهل أفي بوعدي بالزواج للفتاة الأولى، التي أصبحت لا أرغب فيها بسبب نحافتها، أم أواصل بحثي عن فتاة غيرها لا تكون نحيفة؟



بصراحة أنا محتار، رغم علمي بصلاة الاستخارة، إلا أنني أخاف أن أتسبب في جرح مشاعر الفتاة الأولى.. أرجو منكم المساعدة، رغم علمي بأن موصفات زوجة المستقبل لا يجب أن تتوقف عند موضوع النحافة، لأنه بالتأكيد هناك أمور أخرى أهم.


أفيدوني ماذا أفعل؟. وما هي أهم مواصفات زوجة المستقبل؟، وشكراً.

المستشار
الرد

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، ورحمة الله للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:



للزواج في الإسلام مكانة عظيمة، فهو أوثق رباط يجمع بين البشر، وهو الميثاق الغليظ الذي لا يجوز معه ظلم ولا فحش ولا تحقير ولا مضارة، به يجتمع الرجل والمرأة على شرع الله، و به يستحل الرجل من المرأة ما لا يستحل منها أبوها أو أخوها، وتستحل المرأة من الرجل ما لا يحل لأخته ولا أمه.


ولا أجد خيراً من وصف الله له، حين نهى الزوج عن ظلم المرأة، وأمره ألا يبخسها حقها الذي فرض لها على نفسه بالتراضي، حتى لو أراد طلاقها، فيقول: (وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا* وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).



لذلك حرص الإسلام أن ينبني هذا الرباط على القبول والرضا التام، بل على الحب والمودة، وميل القلب من كل طرف تجاه الآخر.



وها هو صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابي الجليل جابر بن عبد الله أن ينظر لمن أراد خطبتها فيقول له: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"، ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد أحدكم خطبة امرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل"، وكأنه صلى الله عليه وسلم يحبذ أن تقع المرأة في قلب الرجل قبل أن يقدم على الزواج منها.



كما اشترط الإسلام- أيضاً- رضا المرأة، ثيبا كانت أم بكراً، لصحة الزواج، وكأنها دعوة إلى ألا تزوج المرأة إلا ممن وقع في قلبها موقعا.



وحين استُشير صلى الله عليه وسلم في بنت تقدم لها خاطبان، هي تحب الفقير منهما، ويحب أبوها لها الغني، فقال صلى الله عليه وسلم: "زوجوها ممن تحب؛ فلم يرَ للمتاحبيْن مثل النكاح".



أخي الحبيب:



قدمت بهذه المقدمة- التي ربما سئمت طولها- لكي ألفت نظرك إلى خطورة ما أنت مقدم عليه من أمر الزواج، فهو الحياة الجديدة، حياة المسئوليات والتبعات، حياة الزوجة والأولاد، حياة المعاناة لتوفير العيش الكريم لك ولأسرة تتعلق بعنقك، حياة التقلبات بين صروف الدهر، فلتستعد لها جيدا.



أخي، تدعي أنك تعرف مواصفات الزواج وأنها ليست فقط في المظهر ولكنها تتوقف على أمور أخرى، وسأقبل منك هذه الدعوى دون دليل، لكن عليك أن تجيبني على سؤالي:



هل جلست مع نفسك وفكرت في تحرير هذه المواصفات؟ وهل رتبتها ترتيبا منطقيا حسب أولوياتك؟ وهل سألت نفسك عما يمكنك التنازل عنه من هذه المواصفات وما لا يمكن التنازل عنه بحال؟ لأنك ببساطة لن تجد من تحتوي جميع مواصفاتك، وهل قررت أن تضع هذا في الحسبان وأنت مقدم على أمر الزواج؟.



أظنك لم تفعل؛ لأنك لو فعلت لما كانت هذه حالك، كالطفل الذي يزهد كل جديد، فيما في يده مما اعتاد عليه، وهو صادق التعلق بما يحب في كل الحالات.. إنك- يا أخي- أحببت أول من قابلت، وحبك صادق لكن دون تعقل، ووعدتها بالزواج وأنت صادق لكن دون تفكير وتروّ، ثم ملت ببساطة شديدة عمن أحببت إلى من هي أجمل منها.



وأخشى أنك إن تزوجت هذه أو تلك وأنت على هذه الحال وبنفس طريقة التفكير أن تقابل من هي أكثر جمالا وإشراقا من زوجتك أو من هي أحسن مظهرا وأكثر جاذبية أو من هي أشد ذكاء وأكثر إقناعا وأذهب بالعقول عند الحوار، أخشى عندها أن تميل عن زوجتك وتحسب أنك على حق.



وقد يحدث هذا لا لأن من ستقابل أفضل من زوجتك إجمالا فقد تكون زوجتك أفضل بكثير إجمالا، لكنك قد ترى في الجديدة جانب تميز ليس في زوجتك لأنه ليس كل واحد من الناس يحوي جميع الحسن، فتميل عندئذ مع كل جديد.



أتدري لماذا؟ لأنك ببساطة شديدة لا تعرف ماذا تحب من النساء، ولا تعرف الفاضل من المفضول في علاقتك بهن، وعندئذ قد يكون دافعك لحب أخريات هو مجرد التجديد، أو الغريزة المجردة عن كل عقل، والميل الفطري من الرجل تجاه المرأة، وقد تقع في غرام من لا تساوي شيئا غير أنها عالم جديد ذهبت بك الريح إليه.



ليست المشكلة- يا أخي- نحافة فتاتك الأولى، ولا جاذبية جسد الثانية.. المشكلة فيك أنت، في طريقة تفكيرك، وفي نظرتك للأمور، فأنت لا تدري لماذا تحب هذه، ولا سبب انجذابك لتلك.



أخي، أردتُ من كلامي هذا أن تقف على حقيقة المشكلة، وأن يستبين لك وجه الحق، فأنت تحتاج لمراجعة نفسك، وللجلوس معها لترتب أفكارك، وتحدد أولوياتك، ولن تحل المشكلة بغير هذا، ولو بقي الحال على ما هو عليه فسيصيب فتاتك الثانية ما أصاب الأولى منك؛ فالمشكلة ليست في تفاوتهن بقدر ما هي فيك أنت.



أما عن فتاتك الأولى وخشيتك من جرحها فلا عليك، فلأن تصدم الآن بحبيب مفارق خير من أن تصدم بعد ذلك بزوج مطلق أو- على أقل تقدير- كاره لا تنال احترامه وتقديره، ولئن كان لابد من الجرح فلتجرحها الآن جرحا سطحيا يسهل علاجه، إن شاء الله، خير من أن تضطر يوما لطعنها طعنة تنفذ إلى القلب ويكون معها الهلاك.



فارقها- يا أخي- لكن بلطف، أخبرها بأن ظروفك تغيرت وأنك لا تستطيع إتمام الزواج، لن تعجزك الحجة إن شاء الله، لكن بالله عليك ترفق بها، فالبنت لا ذنب لها، بل الذنب ذنبك أنت، فترفق بها يرحمك الله.



وأنصحك أخيرا بما نصحتك أولا، فقبل أن تقرر أمر الدخول في هذه الحياة اجلس مع نفسك، وحرر مواصفاتك للزواج، وحدد أولوياتك منها، وانظر ما يمكنك التنازل عنه وما لا يمكن.



وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وهدى جميع المسلمين لما فيه الخير والصلاح، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه و سلم.

المصدر إسلام أونلاين

النحافة ليست مشكلة يا اخي بل هي تطيل العمر