| عبد الرحمن الراشد |
الجامعة العربية بكل أسف خذلت موريتانيا، الدولة الشرعية، وتخلت عن الشعب
الموريتاني الذي اختار رئيسه بنفسه. ويبدو انها لا تدري كيف تعامل زعيم
الانقلاب محمد ولد عبد العزيز، الذي تعرف انه خان الأمانة، حيث كان قائدا
في قصر الرئيس وسرق الحكم بالقوة. انقلب على سيدي ولد الشيخ عبد الهادي
الذي فاز بالرئاسة في انتخابات شفافة، اعتبرت نزيهة من قبل كل الجهات
الرقابية الدولية.
الجامعة
العربية بامكانها على الاقل ان تفعل ما فعله الاتحاد الافريقي، الذي يريد
الآن نقل القضية الى مجلس الأمن الدولي لمواجهة الانقلابيين بالقوة، او
على الاقل اعتباره نظاما غير شرعي يحظر على دول العالم التعامل معه. ولو
ساندت الجامعة العربية الخطوة بملاحقة الانقلابيين تكون قد تصدت لأول مرة
في تاريخها للفكر الانقلابي، الذي خرب العالم العربي وهدم كياناته وأضاع
مستقبله. لو فعلت ستجعل موريتانيا عبرة لكل من يفكر في سرقة الحكم بالقوة،
أعني مستقبلا، حتى لا نوقظ الأفاعي النائمة في القصور اليوم.
العالم
البعيد هو الذي تصدى، وليس العالم العربي بكل أسف، لسارق الحكم
الموريتاني، وأجبره اخيرا على اطلاق سراح الرئيس الشرعي، ويهدده الآن إما
ان يعيد الحكم او سيلاحق.
ويكفي موريتانيا سنوات الفوضى والانقلابات،
حيث بلغ عددها عشر محاولات منذ استقلال البلاد، فهذه المحاولة الانقلابية
الرابعة في سنتين تقريبا. وحان الوقت لحماية النظام الشرعي، ورئيسه،
والاحتكام فقط الى مؤسساته الشرعية عند الاختلاف لا الاحتكام الى السلاح.
الجنرال
الذي سرق الحكم الحالي في اغسطس الماضي سبق ان ساند سرقة الحكم قبل ثلاث
سنوات ضد الرئيس ولد الطايع. حينها قلنا انه انقلاب ضد حكم ناقص الشرعية،
ووافق قائد الانقلاب على الاحتكام الى الموريتانيين وبعدها رحل الى بيته،
مبرهنا على انه عند وعوده. لكن قائد الانقلاب اليوم هزأ بالشعب
الموريتاني، وتحدى العالم كله، ويبدو انه مثل سابقيه الذين يعجزون، ليس
فقط عن احترام الامانة، بل يعجزون عن قراءة العالم من حولهم.
معركة
الحكم على موريتانيا تهم العرب في أكثر من موضع. فالتحليلات السياسية تشير
الى ان الانقلاب دبر من بعض الانظمة العربية، وسكتت عليه كثير من الدول
الاخرى، خوفا من ان تكون نموذجا للنظام الديموقراطي الوحيد في العالم
العربي، على اعتبار ان ديموقراطية العراق تدار بصيغة المحاصصة الطائفية
المقيتة. ويقال ان الانقلاب شجع من وراء الحدود لهذا الغرض، لكن الدول
العربية، بما فيها المتآمرة ان وجدت، تعرض انظمتها للخطر إن هي قبلت
باستمرار لغة الانقلاب الذي يهددها أكثر مما يفترض ان تخاف من
الديموقراطية التي تحتال عليها اليوم بمسرحيات انتخابية تعطيها شيئا من
الشرعية والاستمرارية. وكما نرى فان قلب النظام في السودان ضد الحكم
المنتخب ادى الى فواجع مستمرة حتى هذا اليوم، لم تخدم الدول العربية التي
ساندته او سكتت عليه، وحولت هذا البلد الكبير الى ساحة حرب داخلية وخارجية
أضرت بالجميع. ولو عوملت موريتانيا عربيا كما عومل السوان فان هذا البلد
سيكون ساحة للفوضى عربيا وافريقيا، لا موريتانيا فقط .