السيد ولد أباه
يكاد يجمع متابعو الشأن العربي على أن قمة الرياض التي انعقدت أخيرا نجحت أكثر مما كان متوقعا منها.ومن
مؤشرات هذا النجاح النسبي الخطوات الملموسة التي قطعت على طريق المصالحة
البينية العربية وإعادة طرح المبادرة العربية للتسوية السلمية مع إسرائيل
مخرجا من حالة الجمود التي تطبع المسار التفاوضي المتوقف منذ سبع سنوات،
وبلورة موقف واضح من المأزق العراقي المتولد عن معادلة الاحتلال والفتنة
الطائفية المدمرة.صحيح إن هذه المؤشرات لا تسمح بالحديث عن استعادة
النظام الإقليمي العربي عافيته، كما لا تعني أن مؤسسة القمة أصبحت فاعلة
في دفع المشروع الاندماجي العربي منذ تمت مأسستها وأقِرَّ انعقادها سنويا.ومع
ذلك، يمكن القول دون شك إن الوعي العربي الرسمي تزايد بضرورة إنقاذ النظام
الإقليمي المتداعي، بعد أن أخفقت الصيغ البديلة التي جربت في السنوات
الأخيرة، سواء تعلق الأمر بالتكتلات الجهوية الضيقة التي لا غبار عليها
إذا أريدت نواة للتكتل المنشود، أو بمبادرات الشراكة الدولية التي قدمت في
سياقات متنوعة كالتسوية السلمية الشرق أوسطية أو المسار المتوسطي أو
بمشروع الشراكة الأمريكية ـ ـالشرق أوسطية الذي طرحته إدارة بوش بعد
احتلال العراق. ولم يكن من محض الصدفة أن يعود موضوع الأمن القومي
إلى جدول أعمال القادة العرب في قمتهم الأخيرة، بعد أن غاب طويلا عن أجندة
العمل العربي المشترك، مما له صلة جلية بتداعيات الموضوع العراقي وبالملف
النووي الإيراني. وفي الوقت الذي يتزايد فيه الوعي بضرورة دفع البناء
الإقليمي العربي، يتركز الشعور العام على أن الصيغة الاندماجية الراهنة
عجزت عن تحقيق أهدافها ولم تعد تلائم التحديات والحقائق القائمة. وليس
من همنا الرجوع للأدبيات الفكرية التي تناولت من منظور نقدي تجربة النظام
الإقليمي العربي في العقدين الأخيرين. وقد ذهبت في الغالب في أحد اتجاهين
هما: ـ التبشير بالمقاربة الاقتصادية الوظيفية (حسب النموذج
الأوروبي) بديلا عن المنظور الآيديولوجي الذي هيمن على الفكر القومي الذي
قام على التعبوية العاطفية والغنائية الثورية والميثولوجيا الطربائية.ـ دمقرطة الفكرة القومية بإخراجها من مفاهيم «الإقليم ـ القاعدة»
و«الزعامة الملهمة»، ومن مسلك الاستبداد السياسي والأحادية المنغلقة، وهو
رهان على أن ما عجز الكلام عن تحقيقه ستتمكن الشعوب الحرة من إنجازه.وقد
بدأت بعض المحاولات الفعلية على المستوى الرسمي والأهلي لإعادة بناء
المنظومة الإقليمية العربية، لئن أصيبت بضربة قاصية في مطلع التسعينات
بسبب هزة احتلال الكويت التي قوضت البناء العربي وشلت مؤسساته المشتركة،
إلا أنها استعيدت بصفة محتشمة بطيئة إثر الديناميكية التي خلفتها معادلة
أوسلو 1993 وبروز المحور السعودي ـ المصري ـ السوري قوة دفع للمشروع
المتعثر، ولو في الحدود الأدنى للتنسيق المشترك.ولقد تزامن اختيار
السياسي والدبلوماسي المصري اللامع، عمرو موسى، أمينا عاما للبيت العرب
الرسمي مع إرادة ملموسة لتفعيل جامعة الدول العربية وإحياء دورها في
القضايا العربية وتسوية النزاعات الداخلية وتمثيل العرب في الساحة
الدولية. وبدأ من الواضح أن طموح الأمين العام الجديد يتجاوز السقف المتفق
عليه ضمنيا بين أعضاء النادي العربي، في سعيه لتحويل الجامعة شريكا فعليا
في صنع القرار العربي بدل الاكتفاء بدورها الاعتيادي جهازا إداريا محدود
الأثر والفاعلية.ومع أن مشروع عمرو موسى لإصلاح الجامعة قد تعثر
ولم يؤت أكله، إلا أن الرجل نجح في خطوة مهمة في مأسسة القمة العربية
وتكريس دورية انعقادها سنويا، مع إدخال الأبعاد الثقافية والإعلامية في
أداء الدبلوماسية العربية المشتركة، خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر(أيلول)
2001 التي قوضت بصفة خطيرة جسور الحوار بين العرب والعالم الغربي.ومع
أن ملف إصلاح الجامعة طرح مجددا على جدول أعمال القادة العرب منذ قمتي
تونس والجزائر. كما أن الحديث عاد حول تفعيل الاتفاقيات العربية التي وقعت
خلال العقود الستة الماضية في شتى المجالات؛ وفي مقدمتها اتفاقيتا الدفاع
والسوق المشتركة، إلا أن الجرح العراقي النازف الذي تحول تدريجيا إلى فتنة
طائفية مدمرة على خلفية مأزق احتلال بلا أفق سياسي، أفقدَ العملَ العربيَّ
البوصلة وأدخل إلى قلب الميدان القومي لاعبين إقليميين ودوليين لم يعد
بالإمكان تجاهلهم في صناعة القرار العربي الجماعي وصياغته.وكما هو
الشأن في كل الأزمات اللبنانية، عكست حرب الاغتيالات والاعتصامات التى تلت
استشهاد الرئيس الحريري والانسحاب السوري انهيار التوازنات الإقليمية
الهشة التي قامت بعد حرب الخليج الأولى، فأضافت جرحا ثانيا ملتهبا إلى
الهم العربي المشترك. ولذا أمكن القول إن قمة الرياض التي تجاوزت
البعد القومي الضيق بحضور الأطراف الإقليمية الرئيسية (إيران وتركيا على
الأخص) وضعت القواعد الأولى للتوازنات المرحلية، من أجل تهدئة عاجلة
لأزمات حادة، وإن كان الحديث ما زال مبكرا عن عودة الروح للبناء القومي
المتداعي
يكاد يجمع متابعو الشأن العربي على أن قمة الرياض التي انعقدت أخيرا نجحت أكثر مما كان متوقعا منها.ومن
مؤشرات هذا النجاح النسبي الخطوات الملموسة التي قطعت على طريق المصالحة
البينية العربية وإعادة طرح المبادرة العربية للتسوية السلمية مع إسرائيل
مخرجا من حالة الجمود التي تطبع المسار التفاوضي المتوقف منذ سبع سنوات،
وبلورة موقف واضح من المأزق العراقي المتولد عن معادلة الاحتلال والفتنة
الطائفية المدمرة.صحيح إن هذه المؤشرات لا تسمح بالحديث عن استعادة
النظام الإقليمي العربي عافيته، كما لا تعني أن مؤسسة القمة أصبحت فاعلة
في دفع المشروع الاندماجي العربي منذ تمت مأسستها وأقِرَّ انعقادها سنويا.ومع
ذلك، يمكن القول دون شك إن الوعي العربي الرسمي تزايد بضرورة إنقاذ النظام
الإقليمي المتداعي، بعد أن أخفقت الصيغ البديلة التي جربت في السنوات
الأخيرة، سواء تعلق الأمر بالتكتلات الجهوية الضيقة التي لا غبار عليها
إذا أريدت نواة للتكتل المنشود، أو بمبادرات الشراكة الدولية التي قدمت في
سياقات متنوعة كالتسوية السلمية الشرق أوسطية أو المسار المتوسطي أو
بمشروع الشراكة الأمريكية ـ ـالشرق أوسطية الذي طرحته إدارة بوش بعد
احتلال العراق. ولم يكن من محض الصدفة أن يعود موضوع الأمن القومي
إلى جدول أعمال القادة العرب في قمتهم الأخيرة، بعد أن غاب طويلا عن أجندة
العمل العربي المشترك، مما له صلة جلية بتداعيات الموضوع العراقي وبالملف
النووي الإيراني. وفي الوقت الذي يتزايد فيه الوعي بضرورة دفع البناء
الإقليمي العربي، يتركز الشعور العام على أن الصيغة الاندماجية الراهنة
عجزت عن تحقيق أهدافها ولم تعد تلائم التحديات والحقائق القائمة. وليس
من همنا الرجوع للأدبيات الفكرية التي تناولت من منظور نقدي تجربة النظام
الإقليمي العربي في العقدين الأخيرين. وقد ذهبت في الغالب في أحد اتجاهين
هما: ـ التبشير بالمقاربة الاقتصادية الوظيفية (حسب النموذج
الأوروبي) بديلا عن المنظور الآيديولوجي الذي هيمن على الفكر القومي الذي
قام على التعبوية العاطفية والغنائية الثورية والميثولوجيا الطربائية.ـ دمقرطة الفكرة القومية بإخراجها من مفاهيم «الإقليم ـ القاعدة»
و«الزعامة الملهمة»، ومن مسلك الاستبداد السياسي والأحادية المنغلقة، وهو
رهان على أن ما عجز الكلام عن تحقيقه ستتمكن الشعوب الحرة من إنجازه.وقد
بدأت بعض المحاولات الفعلية على المستوى الرسمي والأهلي لإعادة بناء
المنظومة الإقليمية العربية، لئن أصيبت بضربة قاصية في مطلع التسعينات
بسبب هزة احتلال الكويت التي قوضت البناء العربي وشلت مؤسساته المشتركة،
إلا أنها استعيدت بصفة محتشمة بطيئة إثر الديناميكية التي خلفتها معادلة
أوسلو 1993 وبروز المحور السعودي ـ المصري ـ السوري قوة دفع للمشروع
المتعثر، ولو في الحدود الأدنى للتنسيق المشترك.ولقد تزامن اختيار
السياسي والدبلوماسي المصري اللامع، عمرو موسى، أمينا عاما للبيت العرب
الرسمي مع إرادة ملموسة لتفعيل جامعة الدول العربية وإحياء دورها في
القضايا العربية وتسوية النزاعات الداخلية وتمثيل العرب في الساحة
الدولية. وبدأ من الواضح أن طموح الأمين العام الجديد يتجاوز السقف المتفق
عليه ضمنيا بين أعضاء النادي العربي، في سعيه لتحويل الجامعة شريكا فعليا
في صنع القرار العربي بدل الاكتفاء بدورها الاعتيادي جهازا إداريا محدود
الأثر والفاعلية.ومع أن مشروع عمرو موسى لإصلاح الجامعة قد تعثر
ولم يؤت أكله، إلا أن الرجل نجح في خطوة مهمة في مأسسة القمة العربية
وتكريس دورية انعقادها سنويا، مع إدخال الأبعاد الثقافية والإعلامية في
أداء الدبلوماسية العربية المشتركة، خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر(أيلول)
2001 التي قوضت بصفة خطيرة جسور الحوار بين العرب والعالم الغربي.ومع
أن ملف إصلاح الجامعة طرح مجددا على جدول أعمال القادة العرب منذ قمتي
تونس والجزائر. كما أن الحديث عاد حول تفعيل الاتفاقيات العربية التي وقعت
خلال العقود الستة الماضية في شتى المجالات؛ وفي مقدمتها اتفاقيتا الدفاع
والسوق المشتركة، إلا أن الجرح العراقي النازف الذي تحول تدريجيا إلى فتنة
طائفية مدمرة على خلفية مأزق احتلال بلا أفق سياسي، أفقدَ العملَ العربيَّ
البوصلة وأدخل إلى قلب الميدان القومي لاعبين إقليميين ودوليين لم يعد
بالإمكان تجاهلهم في صناعة القرار العربي الجماعي وصياغته.وكما هو
الشأن في كل الأزمات اللبنانية، عكست حرب الاغتيالات والاعتصامات التى تلت
استشهاد الرئيس الحريري والانسحاب السوري انهيار التوازنات الإقليمية
الهشة التي قامت بعد حرب الخليج الأولى، فأضافت جرحا ثانيا ملتهبا إلى
الهم العربي المشترك. ولذا أمكن القول إن قمة الرياض التي تجاوزت
البعد القومي الضيق بحضور الأطراف الإقليمية الرئيسية (إيران وتركيا على
الأخص) وضعت القواعد الأولى للتوازنات المرحلية، من أجل تهدئة عاجلة
لأزمات حادة، وإن كان الحديث ما زال مبكرا عن عودة الروح للبناء القومي
المتداعي